العياشي عنصر ـ عنف الشرطة! ام عنف النظام ؟!
بواسطة 2020-06-10 01:41:01

د. العياشي عنصر
بعد حادثة اعتقال الامريكي ذي الاصول افريقية جورج فلويد ووفاته بالطريقة التي يعرفها الجميع، والمظاهرات والاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي عمت الولايات المتحدة الامريكية، قبل ان تنتقل الى بلدان اخرى في دورة كاملة حول العالم. دفع ذلك دول عديدةالى فتح ملف الاساليب العنيفة بل الوحشية التي تعامل بها الشرطة وقوى الامن الخاصة بمكافحة "الشغب" لاحظوا الكلمة المستخدمة رسميا في توصيف المظاهرات والاحتجاجات ! بل وصل الامر في الولايات المتحدة الى مراجعة التشريعات الخاصة بالشرطة، وتفكيك جهاز الشرطة في ولاية منيابوليس مهد الحادثة !
كما سارعت الحكومة الفرنسية عن طريق وزير الداخلية الى توجيه رسالة شديدة اللهجة الى الشرطة بانها لن تتسامح اطلاقا مع السلوكيات العنصرية او المبالغة في استخدام القوة .
كل هذا الكلام جميل ومتوقع ، وترحب به تنظيمات المجتمع المدني! لكن ! لكن ما يتبغي ان يعرفه الناس عامة ولا ينبغي ان يفوت عاى ذهن وملاحظة المهتمين والمدافعين عن حقوق الانسان والمناهضين للعنصرية ان سلوك اجهزة الشرطة والامن عموما ليست مجرد اخطاء فردية، او تجاوزات وخروق للقًوانين من طرف بعض افراد الشرطة المتشبعين بالعنصرية! وان كانت هذه الحالات موجودة فعلا، الا انها لا تمثل حالات استثنائية او شاذة. لماذا؟
ينبغي تجاوز هذه الصورة النمطية السطحية والغوص في جوهر بنية التظام الراسمالي لفهم حقيفةً الظاهرة ووضعها في سياقها الصحيح والطبيعي! نعم النظام الرأسمالي يقوم اساسا على عدم التكافؤ في الفرص والحظوظ التي ليست تعبيرا عن الحظ ابدا.بل تعبر عن عدم تكافؤ هيكلي او بنيوي متجذر في آليات عمل التظام الذي يؤدي مع مرور الوقت الى تجذر الاستغلال والظلم والقهر بين أقليات متنفذة وأغلبية مستتغَلة، و مهمشة. يحافظ النظام الراسمالي على استمرار هذا اللاتوازن واللاتكافؤ بآليات مختلفة. تتشكل في مجموعتين حسب الفيلسوف الفرنسيي لويس التوسير Louis Althusser
المجموعة الاولى اسماها "الاجهزة الايديولوجية للدولة" وتبرز فيها بالاساس المدرسة او منظومة التعليم، والاسرة والاعلام التي تعمل جميعها بطرق مختلفة كادوات قوة ناعمة تغرس في النفوس قبول واقع النظام الراسمالي ومنحه الشرعية. وهو ما اطلق عليه الفيلسوف والمناضل الايطالي انطونيو غرامشي Antonio Gramsci تحقيق "الهيمنة" اي التماهي والقبول القائم على الرضا والطواعية، تمييزا له عن "السيطرة" كون هذه الاخيرة قائمة على القسر والاكراه وغياب الرضا والقبول . وهو بالضبط ما ذهب اليه ماكس فيبر Max Weber ايضا عند تمييزه بين القوة والسلطة.اذ بينما تعبر القوة عن علاقة غير متكافئة بين طرفين او اكثر لا تتوفر على الشرعية، بل تعتمد على القسر والاكراه ، فان السلطة تعبر عن علاقة غير متكافئة، علاقة سيادة وخضوع لكنها قائمة على القبول والرضا ، وهو ما يمنحها الشرعية ، عكس القوة التي تفتقد الشرعية.
اما المجموعة الثانية فاسماها التوسير "اجهزة الدولة القمعية" ، وتتمثل هذه طبعا في جميع الاجهزة المستخدمة للقوة العنيفة عكس المجموعة الاولى! تتمثل خاصة في الشرطة والاجهزة الأمنية والعسكرية. يلجأ النظام الراسمالي عموما الى هذه الاجهزة عندما تفشل لأي سبب من الاسباب اجهزة المجموعة الاولى عن توفير الهيمنة ، وتحقيق الامن ، او عندما يصبح الامن العام ، وهو في نهاية التحليل امن النطام الراسمالي، مهددا برفض شعبي واسع في شكل انتفاضات ، احتجاجات وثورات تسائل شرعية النظام الراسمالي، وترفض سلطته، وتطالب بتغييرها واستبدالها!
لعل الشيء الاهم في بنية وطبيعة اجهزة الدولة القمعية هي انها قائمة على عقيدة راسخة في نفوس الافراد الذين يشكلونها قناعة بما اسماه فيبر حق الدولة في احتكار استخدام العنف للحفاظ على الاستقرار والطمانية والامن العام! هذه العقيدة التي يستبطنها افراد اجهزة قوى الامن والعسكر تقوم عملية تنشئة و تطبيع اجتماعيين باستخدام منظومة التعليم والتاهيل ، وتعززها المزايا والمصالح المادية والمعنوية المكتسبة . لكن أهم شيّء فيها هو انها تخلق تماهيا بين المصلحة العامة المفترضة للمجتمع في الاستقرار والامن ، ومصلحة الدولة باعتبار. مجموعة مؤسسات واجهزة تحقق مصالح الطبقات المسيطرة. ومن هنا تتم شرعنة استخدام العنف بجميع اشكاله دفاعا عن النظام العام وعن الاستقرار والامن والدولة باعتبارها ممثلة للمجتمع باكمله، وليس لانه يخص طبقة او شريحة محددة.
الخلاصة هي ان القمع الذي تمارسه الشرطة وقوى الامن عمًوما سواء في شكل السلوك العنيف الممارس في التعامل مع المواطنين في الشارع او في الاحتجاجات، او في شكل ممارسة التعذيب بمختلف انواعه ، ليسسلوكا فرديا عابرا او ينبع من نزعة او تصورات فردية ، رغم اهمية هذه العوامل، انما هو عملية تطبيع وتأهيل متأصلة في بنية النظام الراسمالي، ومتجذرة في العقيدة التي يتم غرسها في نفوس وعقول الافراد المنتمين الى هذه الاجهزة.
وبالتالي ، فان ما تقوم به الحكومات الان عبارة عن عمليات تجميلية بسيطة تخفف من حدة العف والقمع المتجذر في طبيعة النظام الضروري لاستمراره وبقائه. بل أهم من ذلك هي محاولات تضليل وتمويه تبعد بها الأنظار عن المصدر الحقيقي والجوهري للعنف ، والحفاظعلى النظام وان استدعى الامر التضحية ببعض الافراد واجراء بعض التعديلات على شكل تنازلات انية تقتضيها حماية أسس النظام الرأسمالي وحماية الدولة التي تجسد مصالحه وتحميه من الزلزال !! .
شوهد المقال 353 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك