محمد صلاح - الأترَاكُ مُنذُ عَهدِ عُمر، دُعَاةُ السلام وشُركاءُ الفَتح!

محمد صلاح *
يحكي لنا التاريخ* أنه فى العام الثاني بعد العشرين من الهجرة النبوية (642 م) وبينما تَغُزُ جيوش المسلمين السَّيرَ نحو منطقة آسيا الوسطى اسِتكمَالاً لمسيرة فتوحات مُظَفَّرة فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، تُوجت بمعركة نَهاوَنْد التى أسقط فيها المسلمون الدولة الساسانية فى بلاد فارس فى العام الذى قَبلَه، إذا بالفاتحين المسلمين يَجِدُون أنفسهم وجهاً لوجه أمام شعب يسكن تلك المنطقة يُسْمَوَّنَ "الأتراك" وهم قبائل نزحت فى النصف الثاني من القرن السادس الميلادي من منطقة ما وراء النهر، والتى تُسمى الآن "تركستان" والتى كانت تمتد من شمال الصين شرقا إلى بحر قزوين غربا ومن السهول السيبيرية شمالاً إلى شبه القارة الهندية وفارس جنوباً، ليستوطنوا آسيا الوسطى تفادياً للاحتكاك بالقبائل المنغولية الهمجِية، والتِمَاسَاً للِكَلأِ والمَرْعَى.
التقى قائد جيش المسلمين عبد الرحمن بن ربيعة، بِمَلكِ التُرْكِ شَهربراز، الذى تَجنبَ بِدَورِهِ القتال وجَنَحَ للِسّلمِ وأبدى استعداد الأتراك مشاركة جيش المسلمين رحلة فتوحاته نحو الأرمن، وبعد لقاءات بين قادة جيش المسلمين والقائد شهربراز، وبعد مشاورات بين بعضهم البعض، قَرروا وضع الأمر بين يَدي أميرِ المُؤمنين عمر بن الخطاب الذى بارك بِدَورهِ عَقدَ صُلحٍ مع الأتراك بُمقْتضَاه لم يقع قتال بين الفريقين، بل أصبحا بنعمة الله إخوان سَلامٍ ووئام، وشُركَاء فَتحٍ وجِهادٍ، كانت بَاكُورتُهُ فَتحُ بلاد الأرمن ونشر الإسلام فِيها، لتتوالى بعدها الفتوحات الإسلامية، بمشاركة الأتراك، على مدى تسع سنوات للبلدان الواقعة شمال شرق بلاد فارس، بعد أن كانت هذه المنطقة تُشَكِلُ حاجزاً منيعاً أمام الجيوش الإسلامية، وتكتسب الفتوحات الإسلامية مزيداً من الزَخَمِ فى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فتُفتح بلاد طَبرِستَان ويَعبر الفاتحون المسلمون نهر جيحون فى السنة الأولى بعد الثلاثين من الهجرة النبوية، وينزلون ببلاد ما وراء النهر، ويَدخُل كَثيرٌ من الأتراك فى دين الله أفواجا ويزداد بهم سواد المسلمين وتقوى شوكتهم، فَتُفتح بلاد بُخَارى فى عهد معاوية بن أبي سفيان، وتَصلُ جيوش المسلمين إلى سَمرقند لِتَتَشكلَ بذلك رُقعة حضارية إسلامية عريقة عمودها الفِقَري من الأتراك الذين سرعان ما أثبتوا رُقيِّهم وإخلاصهم وأصالة معدنهم فازدادت أعدادهم فى بلاد الخلافة العباسية وتبوّأوا المناصب القيادية والإدارية فى الدولة، ما قَلصَ من النفوذ الفارسي الذي كانت له الغَلبَة والسيطرة فى بلاط الدولة العباسية إبَانَ عهد الخليفة المأمون.
وهل سَيُطلقُ المارد التركي صيحته بعد طُولِ صبر عن حنكة وحكمة، وبعد طول جُنوحٍ للسلام عن قوة وخبرة، لِيُحِيي مَجد أجداده فى إنقاذ الأمة الاسلامية من الانسحاق تحت سنابك هجمة ثالوثية من أحفاد الرافضة وطغاة الصليبية الاستعمارية الدموية ودهاة الصهيونية الغاصبة؟
لم لا.. فمن نجح فى إعادة بناء بلده ووضعها فى مصاف الدول الغنية القوية المتحضرة المتقدمة فى عقد واحد من الزمان، بعد أن أعتقها من حكم العسكر، لَهُوَ كَفِيلٌ بأن يَقُودَ الأمة كلها نحو الانعتاق، ومن أقام العدل كفيل بأن يقود الفتح.. لتظل أمة التُركِ على عهدها منذ شَهربراز، قوية عزيزة تجنح إلى السلم، وتقود نحو الفتح.
*كاتب و روائي مصري
----------------------------
* الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، د. علي محمد الصلابي، ص 19- 23 (بتصرف)
هافنغتون بوست عربي
شوهد المقال 2167 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك