محمد زاوي - سيناريوهات السلم والحرب في الشرق الأوكراني
بواسطة 2015-05-09 03:19:08

محمد زاوي
بعد ما يقرب الثلاثة أشهر من توقيع اتفاقية مينسك حول الأزمة الأوكرانية والتي ولدت بعد مخاض عسير, وفي ظل أجواء مشحونة تشهدها المنطقة المتنازع عليها, والمعبر عنها من خلال تصريحات قادة كييف والدونباس, وعلى ألسنة الفاعلين الرئيسيين في هذه الأحداث, روسيا والولايات المتحدة, ارتفعت العديد من التساؤلات حول حقيقة نتائج لقاء رباعية"النورماندي", هل ستفضي الى حل دائم ؟, أم سيكون نصيبها كقرينتها مينسك الأولى وربما أسوء بالنظر الى حالة الهيجان في المنطقة, وظهور العديد من الألغام التي قد تنسف الجهود المبذولة في العاصمة البيلاروسية, وهو ما يحيلنا الى سيناريوهين تتجه نحوهما الأزمة الأوكرانية.
سيناريو السلم :
برغم الخروقات التي صاحبت تطبيق اتفاقية مينسك خاصة فيما تعلق بوقف اطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة وتبادل الأسرى, الا ان أوكرانيا تتجه بخطى ثابته نحو خيار السلم الذي لا بديل عنه بحسب الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو.
المتمردون في الدونباس وتحت ضغط موسكو يواصلون الاستجابة لما تم الاتفاق عليه في مينسك, برغم النشوة العسكرية التي امتلكتهم عقب محاصرة الجنود الأوكران بمنطقة ديبالتسيفا.
الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أوكرانيا تدفع باتجاه التصالح مع الانفصاليين في الشرق, خاصة وان أوكرانيا خسرت 25 بالمائة من اقتصادها بسبب احداث الدونباس بحسب تصريحات رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك.
من جهة أخرى يبدو أن هناك "قوة ثالثة صامتة" في أوكرانيا تعارض وبشدة السياسة التي ينتهجها النظام الأوكراني, سواءا في الجانب الاقتصادي أوتعامله مع قضية الدونباس, بحيث ترفض العديد من العائلات ارسال أبنائها الى النقاط الساخنة في الشرق, مما يشكل ضغطا على السلطات الأوكرانية للتمسك بالبديل السياسي لحل الأزمة بدل الحل العسكري الذي لم يحقق نتائج تذكر.
الضغط الأوروبي على كييف بحتمية الالتزام باتفاقية مينسك لو تواصل سيشكل عاملا مهما في تجنب خيار الحرب, خاصة أن باريس وبرلين تعتبران راعيتان أساسيتان لهذه الاتفاقية.
في الجانب الآخر, الضغط الروسي يلعب دورا أساسيا في معركة السلم في الدونباس, بما أن موسكو هي من يحتمي الانفصاليون بأكتافها في مواجهة الجيش الأوكراني.ولذلك يرى مراقبون أن روسيا ستسعى الى تطبيق ما جاء في مينسك لتجنب المزيد من العقوبات الغربية على اقتصادها الذي يواجه مرحلة صعبة بسبب دورها في الأزمة الأوكرانية . ويأتي اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن سيناريو الحرب في أوكرانيا غير وارد ليدعم هذا الخيار.
سيناريو الحرب:
التصريحات والتصريحات المضادة التي أعقبت توقيع اتفاقية مينسك يوحي بحالة عدم الثقة التي تسود طرفي النزاع في أوكرانيا, الذين ما فتئا يتهمان بعضهما البعض بخرق ما توصلا اليه في عاصمة روسيا البيضاء.
نقترب من الشهر الثاني لتوقيع اتفاقية مينسك, ولكن الآمال التي أعقبت لقاء رباعية النورمادي لايجاد حل سلمي للأزمة الأكرانية بدأت تتضاءل في ظل وجود معوقات كبيرة قد تعيد الأمور الى نقطة الصفر.
الحديث عن تسليح الجيش الأوكراني لا زال يثير مخاوف الطرف الآخر, الانفصاليون ومن ورائهم روسيا, باعتبار أنهم ينظرون الى ذلك كتهديد لهم, وكانت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف حذرت من اقدام الولايات المتحدة والدول الأوربية من تسليح أوكرانيا معتبرة ذلك خطوة لتصعيد الوضع في الدونباس.
ولكن في مقابل التحذيرات الروسية هناك دعوات أكثر لتسليح الجيش الأوكراني, حيث دعا في هذا الشأن أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون بارزون في الكونغرس الأمريكي الرئيس باراك أوباما الى تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة لمساعدته في قتال المتمردين الموالين لروسيا.
وقال النواب في رسالتهم إن اتفاق وقف اطلاق النار الأخير نجح فقط في تعزيز المكاسب التي حققها المتمردون في شرقي أوكرانيا.
من جانبه، يكرر الرئيس أوباما القول إنه يدرس موضوع تسليح أوكرانيا في حال فشل الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة.
هذا و بدأت قوات من الجيش الأمريكي في تدريب وحدات من قوات الجيش الأوكراني بمقاطعة لفوف غرب البلاد, اضافة الى تقديم مساعدات عسكرية وصفت ب"غير الفتاكة". مما يعطي دلالات على عدم الثقة لدى الأمريكيين مما جرى توقيعه في مينسك.
تصريحات رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك المتتالية منذ التوقيع على اتفاقية مينسك, تؤكد حجم الهوة بين ماتم التوقيع عليه وواقع الحال, فقد استبعد مؤخرا أن يكون حل الصراع مع الانفصاليين في الدونباس قريبا, ودعا في وقت سابق وزارة الدفاع الى وضع القوات المسلحة في حالة تأهب قتالي كاملة , وتجهيز الملاجئ تحسبا لما وصفه بتطورات خطيرة قد تقضي على اتفاقية مينسك الثانية.
قادة الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك هم أيضا هددوا بالتخلي عن وقف اطلاق النار بعد التغييرات التي مست القانون الذي يمنح مناطقهم الحكم الذاتي, ويضغطون بكل السبل من أجل مراجعة الدستور الأوكراني لينص على عدم مركزية السلطة.
في هذا الاطار يبرز سؤال مهم حول مصير مايعرف بجمهوريتي دونيتسك الشعبية، ولوغانسك الشعبية، الكيانين اللذين أعلنا عنهما الانفصاليون , ذلك أنّ الاتفاقية الموقّعة في مينسك لم تتطرق الى مستقبلهما السياسي.
الاختلاف في الرؤى وكيفية حل مسألة التمرد في لوغانسك ودونيتسك بين العديد من الاطراف المسيطرة على مقاليد الحكم في كييف, تجعل خيار السلم دائما على المحك, فأي تغيير طفيف في ميزان القوى بين هذه الأطراف يشكل نهاية حتمية لما تم التوقيع عليه في مينسك.
القطاع الأيمن في أوكرانيا وهو تحالف لمنظمات قومية أوكرانية متطرفة والذي زادت قوته منذ أحداث الميدان, يعتبر اليوم أكبر الرافضين لانهاء القتال في الدونباس, خاصة مع تعيين زعيم المنظمة دميتري ياروش مستشارا للقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية.مما يشكل تهديدا فعليا في عدم انصياع هذا الطرف الذي يملك "قوات خاصة" لاستكمال عملية السلم في الدونباس.
مما لاشك فيه أن كل الخيارات مطروحة في أوكرانيا للتعامل مع مسألة لوغانسك ودونيتسك, سواء خيار السلم او خيار المواجهة, بل ويضيف العديد من الخبراء في المنطقة خيار ثالثا, وهو بقاء الوضع على حاله يترنح ما بين الهدوء أحيانا والمواجهة أحيانا أخرى على الأقل في الوقت الحالي.
ومما لاشك فيه أيضا أن هناك نوايا خفية ومعلنة سواء من جانب أوكرانيا وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم الادارة الأمريكية, أو الانفصاليين وراعيتهم روسيا. نوايا تؤكد أن الصراع في الشرق الأكراني هو صراع بين قوى اقليمية لاناقة ولا جمل لأوكرانيا أو الانفصاليين لانهاء أحداثه مالم يكن هناك توافق بين القوى الكبرى التي تدير الصراع في حقيقته.
شوهد المقال 1199 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك