عماد بوبكري ـ ما وراء ملف الصحراء الغربية في الحسابات الجيوسياسية الإقليمية و الدولية
بواسطة 2020-11-22 03:44:34

عماد بوبكري
أنا من اللذين يعتقدون أن ملف الصحراء الغربية خرج من الحسابات الضيقة و المناواشات الجزائرية المغربية الضيقة ليدخل و بصفة دائمة كقضية مربوطة حتميا مع ما يجري في باقي بؤر الصراع الإفريقية بصفة عامة و على الحدود الجزائرية خاصة فيما يعرف بمنطقة الساحل.
طبعا يجب أن تبقى عيوننا مفتوحة على احتمال استعمال النظام لمثل هذه الصراعات الخارجية لتسوية حساباته الداخلية ولا وجود لفرضية مطلقة ولا تناقض بين مواقفنا المعارضة للمنظومة ومواقفنا التي يجب ان تكون مع الدولة وديمومتها لما تكون محاطة بمجموعة من التهديدات.
الجانب المرئي لقضية الصحراء الغربية ليس الأهم و ذلك لاعتبارات واقعية ولكنه يخفي مخططات أصبحت تتطابق مع الاتجاه السائد في الاستشرافات الجيوسياسية و الجيواسترتيجية المتعلقة بالصراع بين الصين و أمريكا و حلفائهما من القوى الإقليمية على غرار روسيا و تركيا ودويلات الخليج و علاقة ذلك بالرهانات الطاقوية و تغيير الحدود قصد إعادة تقسيم مناطق النفوذ بعد أن أصبحت الحدود الحالية التي قررتها بريطانيا و بدرجة أقل فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية عقبة في وجه القوى العالمية الكبرى بعد تراجع الدور البريطاني و الفرنسي.
وبغض النظر عن الجوانب التاريخية و القانونية و قرارات الأمم المتحدة التي لا يمكنها ان تكون إلا مجرد ديكور للتسويق السياسي و الإعلامي وفق استراتيجية الطرفين، فالأهم يكمن في إصرار الطرفين على التمسك بحلين لا يمكن تطبيقهما على أرض الواقع و ذلك لعدة إعتبارات متعلقة بتراجع دور الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية و عدم احترام القانون الدولي من طرف الدول التي تمتلك عوامل القوة و يتجلى ذلك من خلال الحرب في سوريا و اليمن و ليبيا وغيرها.
ومن المعروف أنه لما تتمسك بحل غير قابل للتطبيق على أرض الواقع فهناك رهانات خفية أخرى لا تطفو على السطح و لا تتناولها وسائل الاعلام و ذلك لأن المفاوضات لا تكون علنية و تخضع لموازين القوى الذي تفرزه تلك النزاعات التي يتم التركيز عليها و استعمالها كورقة ضغط.
و من بين الصراعات الاقتصادية الاستراتيجية صراع أنابيب الغاز لمد أوروبا بالغاز الطبيعي.
بعد روسيا و النرويج، تعتبر الجزائر من أهم مموني أوروبا بالغاز الطبيعي بالنسبة 7 بالمائة من إجمالي واردات أوروبا من الغاز و أهم زبائن الجزائر فرنسا و إيطاليا و إسبانيا وفق طريقة البيع بالعقود طويلة المدى التي أصبحت لا تتجاوز خمسة عشر سنة. بالمقابل الطلب الأوروبي يبقى مستقر و ذلك الى غاية 2035 على الأقل في حين الإنتاج العالمي في تزايد مستمر مما يجعل المنافسة على أشدها خاصة مع منتجي الشرق الأوسط المالكين لقدرة إنتاجية ضخمة و لكنهم يفتقدون لسوق مستقرة و ثابثة مثل الجزائر و روسيا.
و بما أن روسيا تستعمل ورقة الغاز في صراعها الجيوسياسي مع أوروبا فإن هذه الأخيرة تريد تنويع ممونيها مع ضمان أمن طاقوي الذي يمر حتميا بإنشاء أنابيب الغاز عكس طريقة البيع في السوق الحرة التي لا تعطي ضمانات كافية للتموين الدائم و دون انقطاع بهذه المادة الأولية الاستراتيجية بالنسبة لأوروبا.
ودخلت نيجيريا (اكبر منتج للغاز في إفريقيا) على الخط من خلال مشروع أنبوب الغاز الذي سيمد أوروبا بهذه المادة و هو سيمر حتميا عبر سواحل البحر الأبيض و المتوسط. و في هذا الإطار هناك مشروعان متنافسان على هذا الانبوب.
المشروع الأول يعرف بمشروع أنبوب الغاز الصحراوي و يمر عبر الجزائر إلى أوروبا و المشروع الثاني الذي تدافع عنه المغرب يمر عبر سواحل المحيط الأطلسي مرورا بسواحل الصحراء الغربية ثم اسبانيا و الهدف منه خلق سوق للغاز في المناطق التي يمر بها على غرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا و استغلال الغاز الموريتاني على قلته و لكن يبقى الغاز النيجيري هو أهم انتج سيتم تصديره.
تموين أوروبا بالغاز يعتبر من صلب الجيوساسة المتوسطية، فالحرب في ليبيا و سوريا مرتبطة بالغاز الموجه إلى أوروبا عبر الانابيب التي تعتبر الطريقة الآمنة طاقويا بالنسبة للقارة العجوز. فقطر و الإمارات يريدون اكتساح السوق الأوروبية و هذه الأخيرة تريد التخلص من الهيمنة الروسية و ابتزازها بهذه المادة الحيوية من طرف بوتين.
بالمقابل تعتبر الجزائر حليفا لروسيا و في قضية الغاز رغم أنها يتنافسان على تموين أوروبا على أن هناك اتفاقا ضمنيا على حدود معينة من التنافس لا تمس بمصالح الطرفين مما يجعلهما في علاقة هادئة بحكم البعد التاريخي و الجيوستراتيجي.
و من بين الرهانات الاقتصادية المرتبطة مباشرة بالجيوسياسة للقصية الصحراوية نجد عدة مشاريع اقتصادية صينية و أوروبية و مشرقية التي تدرج الصحراء الغربية كطرف فيها. فهي تعتبر منفذا مهما نحو افريقيا الغربية و دول الساحل كما انها مطلة على المحيط الأطلسي مما يجعلها ذات بعد استراتيجي محيطي لتموين أمريكا بالسلع عبر البحر.
ومن خلال النشاطات الاقتصادية غير القانونية التي يفرضها المغرب في منطقة لا تزال محل نزاع ، فاحتمال انشاء نشاطات اقتصادية مهمة في تلك الأراضي مع شركات متعددة الجنسيات متبوعة بتواجد عسكري سواءا رسمي أم لا مثل الشركات الأمنية أصبح خطرا حقيقيا على المدى المتوسط و البعيد.
التواجد المغربي في أقاليم الصحراء الغربية أصبح حقيقة سياسية و اقتصادية و رغم المقاومة الصحراوية في الهيئات الدولية حول عدم قانونية هذا الوجود إلا أن سياسة الأمر الواقع المنتهجة من طرف المغرب و حلفائه في المنطقة أصبحت خطرة كون ذلك التواجد لا يخضع لقوانين دولية يمكنها منع نشاطات خطيرة على أمن المنطقة تحت غطاء النشاط الاقتصادي.
كل هذه السياسات الإقليمية في إطار منطقة ساحلية من بين الأكثر عرضة لعدم الاستقرار الأمني و استراتيجية لمحاصرة الجزائر و منعها من ممارسة قوتها في عمقها الاستراتيجي هدفه تحييدها عن لعب الأدوار الأولى في المعادلات الإقليمية في إطار تقاسم مناطق النفوذ الجديدة بين القوتين العظمتين الحاليتين الصينية و الأمريكية و حلفائهما.
و تعتبر هذه السياسات على المدى الطويل خطيرة جدا على أمن و استقرار الجزائر حيث أنه من الواضح أن الهدف هو تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار قصد اقتسام مناطق النفوذ بين الدول التي ستسيطر على العالم في العشريات القادمة. و يتجلى ذلك من خلال استراتيجية عالمية مثل ما يجري في سوريا و تقسيم السودان و كذلك ما يجري في ليبيا و لن تستطع الجزائر مواجهة هذا المد القوي (tendance lourde) مالم تقم بإصلاحات جذرية للمنظومة السياسية تسمح بتجنيد الشعب وراء المصالح الإقليمية للبلد و بناء مقاربة جيواسترتيجية جديدة قائمة على التحالف مع أصدقائها التقليديين في مختلف القارات وفق توجه يحفظ مصالحها.
و بالنظر إلى التموقع الإستراتيجي للبلدين (الجزائر و المغرب) و التحالفات الاستراتيجية الدولية يمكن القول أن البدلين يمتلكان تموقعات متصارعة حول مختلف القضايا الدولية أو على الأقل أهمها على غرار ما يجري في منطقة الساحل الإفريقي حيث تدعم المغرب التواجد الغربي الذي أغرق المنطقة في صراعات مسلحة بالإضافة الى القواعد العسكرية التي تحاصر الجزائر في حين هذه الأخيرة اتخذت مواقف معادية تماما للتدخلات الأجنبية على غرار ليبيا.
المواقف الديبلوماسية غير المتوافقة بين البلدين على أكثر من صعيد زاد من توتر العلاقات مع تناقض العقيديتين الديبلوماسيتين و القائمة على سيادة الدول و عدم التدخل في الشؤون الداخلية بالنسبة للجزائر و استعمال القوة الناعمة مع أطماع توسعية بالنسبة للمغرب بمساندة القوى الغربية على غرار الولايات المتحدة الامريكية و فرنسا يجعل التوتر بين البلدين دائم.
بالنسبة للجزائر و المغرب يجب التفكير جديا في مقاربة جيواستراتيجية جديدة تهتم حصريا بمصالح البلدين و المغرب الكبير لما يتعلق الأمر بالملفات الجهوية التي تخص البلدين التخلي عن المنافسة في مناطق النفوذ لكن يجب تحديد خطوط حمراء حتى لا تقع المنطقة في يد قوى اجنبية من الصعب التخلص منها فيما بعد. لا زال يملك البلدين هامش يمكن من خلاله بناء نظرة جديدة تاريخية شرط أن يتخلى المخزن المغربي عن عقيدته العدائية للجزائر و محاولاته، و ذلك ثابت تاريخيا، التأثير على سياساته الداخلية و تموقعه الخارجي المعادي للجزائر بصفة دائمة. و يقع على عاتق الجزائر إعادة تحيين عقيدتها الديبلوماسية في محيطها الإقليمي و تفعيل مصادر القوة التي تمتلكها للتأثير إيجابيا في مجرى التاريخ بالإضافة إلى الدفع نحو شراكة مغاربية صلبة و دائمة تحفظ مصالح كل الدول المعنية و شعوبها.
ويبقى دعم الجزائر لقضية الصحراء الغربية يحمل منطقا دفاعيا بحتا و لا علاقة له بالتعدي على سيادة المغرب التي لا يملكها على هذا الإقليم. ولوكان كذلك لما انتهجت الجزائر سياسة حذرة في هذا الملف رغم امتلاكها لإمكانيات هائلة للدفع بتغيير موازين القوى الميدانية كما انها لا تتدخل في السياسة الداخلية المغربية لمحاولة الدفع بعدم الاستقرار الداخلي ويتجلى ذلك في ملف الريف الذي سكتت عليه الجزائر و تعتبره شأنا داخليا مغربيا.
بالمقابل ينتهج المغرب سياسة عدائية و يتدخل بصفة غير مباشرة في الملفات الداخلية و يتجلى ذلك في ملف الحركة الانفصالية القبائلية و دعمها لفرحات مهني كمحاولة لخلق نوع من عدم الاستقرار الداخلي وفق خطط جيواستراتيجية لا تتحكم فيها المغرب أصلا.
في الأخير فإن استحالة تطبيق الحل المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية واستحالة حل استفتاء تقرير المصير كذلك يجعل من منطقة الصحراء الغربية رقعة لا يسود فيها أي قانون مما يهدد أمن المغرب و الجزائر معا لأن التواجد المغربي غير القانوني سيؤدي لا محالة إلى تدخل قوى أخرى غير مستفيدة من هذا التواجد غير الرسمي أو مستفيدة سواءا كانت قوى دولية أو منظمات أو شركات متعددة الجنسيات أو غيرها من القوى النشطة في الدفع بخلق حروب لتغيير الحدود و اقتسام مناطق النفوذ وفق موازين القوى التي ستفرزها تلك الصراعات.
ويبقى الحل الأمثل هو إعادة النظر في المقاربة الجيواستراتيجية للبلدين و بناء شراكة عالية المستوى تحفظ مصالح البلدين و المغرب الكبير و شعوبها حصريا و مواجهة الضغط الدولي سويا لكي تستطيع الدول المغاربية التفاوض من موقع قوة على مصالحها المشتركة في السنوات القادمة مع حل يرضي كل الأطراف لقضية الصحراء الغربية.
الصورة التي تشمل خارطة اوروبا تتعلق بخارطة الغاز المستورد من طرف اوروبا بين شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و روسيا و النرويج. أما الخارطة الثانية فتتعلق بالرهانات الافريقية في الساحل و الجيواستراتيجية المتعلقة بها و التي تشمل الصحراء الغربية كذلك.


شوهد المقال 770 مرة
التعليقات (3 تعليقات سابقة):
يؤلمني جدا مشاهدة اخوة و أخوات جزاىريين،و أنا في السعيدية وهم يلوحون بالحب و التضامن.نحن شعب واحد. و نبرة مقالكم لا تصب في الجمع، بل في تفريق الجارين
أضف تعليقك