أحمد سعداوي ـ ثورة تشرين العراقية وتجالها من الحكومة العراقية
بواسطة 2020-07-30 00:58:36

أحمد سعداوي
الحكومة السابقة، وحكومة المليشيات الموازية والمستظلّة بظلها، كانت تعتقد أن حركة تشرين الاحتجاجية [الثورة، الانتفاضة، إلخ] هي مجرد ظاهرة اعلامية، تخلّقت ونمت وطغت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولذلك قامت بعدة اجراءات من وحي هذه الفكرة الخاطئة:
1 ـ قطع النت بشكل تام خلال الأيام الاولى لانتفاضة الشباب. ثم اضعاف النت لاحقاً، والقطع المتذبذب وحجب مواقع التواصل.. إلخ.
2 ـ بما أن الثورة ظاهرة اعلامية حسب زعمها، فأي مدوّن، صحفي، كاتب، فنان، إلخ.. يحصل على 1000 لايك على منشوره المعارض للحكومة واجراءاتها، فيعتبر مخرّب وعدو، ويعتبر من "صانعي" الحدث، لذلك اسكاته بطريقة أو بأخرى هو اسكات للحدث نفسه.
3 ـ ضخ مستخدمين كثر وحسابات وهمية عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي لأغراق "صوت الثورة"، ومزاحمتها، واشغال المستخدمين الآخرين [من الناس المتفرجين ومن مؤيدي الثورة وغيرهم] بمواضيع جانبية واختلاق اشاعات وما الى ذلك.
هذه الأهمية المبالغ فيها لساحة العالم الافتراضي، تتجاهل أنه يبقى في جزء منه مرآةً تعكس مجريات الساحة الفعلية على الأرض، وقد تضخّم الساحة الافتراضية بعض الابعاد، ولكنها من المستحيل أن تخلق بنفسها شيئاً من العدم ويستمر هذا الشيء ويدوم إن لم يكن له جذور في الواقع الفعلي.
هذا الفخ وقعت فيه، على ما يبدو، حكومة الكاظمي أيضاً، ولكن من زاوية معكوسة، ففضلاً عن كونها لم تفعل شيئاً لفرز نفسها عن حكومة الظل أو الحكومة المليشياوية الموازية، بل وأرتكبت أخطاءً كاشفة عن ارتهانها لحكومة الظل وعدم قدرتها على مواجهتها. فإنها قرّرت احتواء انتفاضة تشرين، لا أن تعمل على الاستجابة لمطالبها المشروعة.
وكيف يكون الاحتواء؟
بالاستناد الى التصور الواهم والفكرة الخاطئة ذاتها: أن الثورة لم تكن سوى ظاهرة اعلامية. وباستقطاب المشاهير المؤيدين لتشرين من أصحاب اللايكات الألفية، سيخنق الظاهرة الاعلامية في مهدها، فتموت في الواقع الفعلي!
جوهر تشرين كما أرى، وكما كتبت سابقاً في أكثر من مناسبة، ليس الصدى الاعلامي، على أهميته الفائقة، وانما:
1) ذلك الشاب الذي قد لا يملك حساباً فعّالاً على السوشيل ميديا، الذي يريد أن يمارس حقّه بالاحتجاج حسب الدستور، من دون أن تتلّقفه رصاصات السلطة ودخانياتها وقناصها، وكواتم مليشيات القتلة التي تنتظر عودته الى البيت.
2) ذلك الشاب الذي قد لا يفهم تعقيدات المشهد الاقتصادي، ولكنه يتوقّع من حكومته أن تجهد نفسها لتوفير فرصة عمل [ليس التعيين في دوائر الحكومة تحديداً]، وقد شاهدنا كيف يتقاتل الشباب من أصحاب الشهادات العليا على العمل كبائعين في مول أو محل لبيع الهواتف النقّالة.
3) ذلك الشاب الذي يتوقّع أن تحدثه حكومته بلغة يفهمها، لا أن تلوك كلام الحكومات السابقة، والذي صار باهتاً وغير مفهوم من شدّة ابتذاله وتكراره.
والذي يمنع ابتذال الكلام هو أن تنفذ الحكومة تماماً ما تقوله، أو.. لا تقول ما لا تستطيع تنفيذه.
4) ذلك الشاب الذي ينتظر من حكومته أن لا تستخف به ولا تستقل شأنه، فهو مستعد لبذل روحه ودمه في سبيل كرامته، وهو ليس جباناً ولا تافهاً كي يخضع لجبروت السلطة.
هؤلاء هم جوهر تشرين، وهم الأولى بأن تحاورهم الحكومة وأن تعقد صفقة معهم، لا حكومة المليشيات الموازية، ولا أصحاب اللايكات الالفية ممن يقدمون أنفسهم ممثلين عن تشرين أو "قادة" خفيين لها، أو صوتاً معبراً عنها.
إنهم صدى وليس صوتاً، والحراك الاحتجاجي هناك تحت الشمس، على أرض الواقع الملتهب بكل أزماته، وليس في مواقع التواصل الاجتماعي.
شوهد المقال 290 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك