العربي فرحاتي ـ الثوار مشروع الحرية..والمدنية وبارقة أمل من ليبيا
بواسطة 2020-06-09 01:56:25

د. العربي فرحاتي
كشفت الشعوب العربية في هذه المرحلة الثورية التي تعيشها معظم البلدان العربية أن المعركة الحقيقية ليست بناء دساتير فائقة في ديمقراطياتها القانونية ولا حوارات ولا انتخابات ولا مؤسسات ولا حتى الإقرار بالتعددية ولا التحالفات لاحتلال مواقع ..في ظل تورط جيوشها في المستنقع السياسي في الدولة القطرية التي أنشئت (ما بعد الاستعمار) نشأة استبدادية..حيث تورطت الجيوش في لعبة التحالفات المنحازة مع هذه الجماعة السياسية الايديولوجية أو تلك..أو مع هذه الجماعة التاريخية أو تلك..لتقسيم الريع المالي والسياسي والتلاعب بمكونات هوية الأمة ووضعها موضع الصراع الفئوي والإلهاء ..وتحولت الجيوش في معظمها كما لو أنها أحزابا تتنافس وتتحالف للهيمنة على مراكز القرار السياسي والمالي وفقا لمصالح قياداتها..مستعملة في ذلك غطاء الوطنية والهوية التاريخية..فقد استعملت قيادات الجيش عندنا رموز الثورة التاريخيين فحكموا البلاد والعباد بإسمهم (شرعية ثورية ) ..بل حكموا باسم جبهة التحرير التاريخية ..حيث صارت الجبهة يحكم فيها وباسمها (انقلاب العسكري على المدني)..واحتلت قيادات الجيش منصب الرئيس واحتكرته لنفسها دون غيرها.كما استعملت قيادات الجيش في ظل سياسة " المصارعة" ما يسمى الاسلام السياسي المتواطئ مع الانقلابات واستعملت العلمانية ضد الارهاب والاسلام السياسي معا..واستعملت المعربين ضد المفرنسين والعكس ..الخ وهي اليوم تلعب على وتر الهوية العرقية وشيطنة رموز الحراك وجر الكل الى معارك هامشية لغوية وايديولوجية وحتى دستورية قانونية..وكما أن الجيش يستعمل هذه الفئة أو تلك لصالح هيمنته..تستعمل هذه الفئة أو تلك قيادات الجيش المستحكمة لصالحها أيضا.. أو على الأقل تستفيد من ولائها لقيادة الجيش مادامت عقيدتها (مصلحة) ..فجيوش الشعوب وضعت للاستعمال المتبادل في ما بعد الثورات التحريرية ..فيستعمل ( بكسر الميم) ويستعمل ( بفتح الميم) .وهي حالة غير طبيعية ولا دستورية ولا حضارية.. بل حطمت شبكة العلاقات في بناء الدولة العادلة وعطلت انطلاقة الشعوب نحو النهضة ..وباستعمال الجيوش أضعفت قوة المجتمع كمؤسسات وإرادات حرة وهوية معرفية وانثروبولوجية وسوسيولوجية .. لصالح قوة الفئات وتغولها..ولو كانت أقلية وأضعفت في الوقت نفسه هيبة الجيوش أمام الشعوب والعالم..ولذلك وضعت الشعوب الثائرة (الربيع العربي ) أصبعها على الجرح وحددت مشكلتها باعتبارها مشكلة تحرير إرادة الشعب الكلية من قبضة دكتاتورية العسكر المتحالفة مع فئات الاستبداد السياسي.. وتحرير الجيش من القابلية للاستعمال..واسقطت كل المقاربات الايديولوجية الحزبية ومناهجها التي لا تعدو أن تكون منافسة على المواقع الريعية..فحرية الشعب عند ثوار الحرية هي قبل حرية الايديولوجيات والفئات
التي انحازت للقوة واحتمت بها وضاعت معها العدالة . ولذلك رفعت الجماهير في هذه الثورات شعار جوهري " دولة مدنية ماشي عسكرية " وهو شعار يمركز المشكلة في تحرير جيوش الشعوب من وضعية " الاستعمال المتبادل" ووضعه ضمن مفهوم الجيش "جيش الشعب" ..أي إخراجه من حالة جيش هذه الفئة أو تلك..أو جيش الانقلابات..وهو ما يجب أن يكون عقيدة ثوار الحرية ..واستكمال الاستقلال في كل ربوع الوطن العربي.. وضرورة الابتعاد عن كل ما يعد الشعوب الثائرة عن هذا المركز ..من حيث هي حاجة تكاد تكون فطرية وسنة في تاريخ الشعوب التواقة للحرية والمدنية ..فلا أعتقد أنه بتحقيق هذه الحالة (حالة تحرر الجيش ) ستبقى قوة مهيمنة غاشمة لهذه الفئة الأيديولوجية أو تلك إلا قوة الفكرة والصندوق الحر ..وينتهي عصر التغول الفئوي بانتخابات الكوطة..ولا أعتقد أنه حين تصبح عقيدة الثوار ولو كانو عسكريين "تحرير المدنية" من الهيمنة العسكرية.. سيبقى خطر الانقلابات على الارادة الشعبية الحرة قائما..إن تقدم الوعي الشعبي العربي والنخوي نحو هذا الهدف يبدو أنه حثيثا رغم تعثر الربيع العربي في موجته الأولى في مصر وسوريا واليمن والسودان ..حيث أعقب بعض النجاحات الجزئية لحراك الربيع نحو تأسيس المدنية انقلابات الثورة المضادة باستعمال بقايا عسكر الريع يأتمر بأمر توازن مصالحه في الداخل الخارج .. ورغم هذا التعثر الذي أصاب الثورات.. إلا أن تقدم الوعي الشعبي بات عقبة حقيقية أمام الديكتاتوريات وما نشأ من ثورات مضادة لصوصية وعسكرية في اليمن وليبيا وسوريا..فلم يعد الوعي بهذه المعركة (معركة تحرير الجيش) محصورا في الطبقة السياسية الثورية وفي أوساط الحراك الشعبي العربي..بل نراه ونلمسه في ما تشكل في ليبيا الثورية من قيادات عسكرية ثورية لا عقيدة لها إلا تحرير الجيش من مستنقع السياسة والحكم بالشرعية الشعبية وحدها..ففصائل الثوار وقفت بالمرصاد للثورة المضادة بقيادة المجرم حفتر والمداخلة ..وما توالى على ليبيا من مؤامرات دولية لاعادة إنتاج "القذافية" وسطو العسكر على الحكم من جديد..ويبدو أن التطورات الأخيرة تبشر بنجاح معركة المدنية..فلا معركة هناك في ليبيا إلا هذه المعركة حين أصبحت مشروع الثوار وأصبح الثوار هم مشروع الحرية للشعب.. وأسقطت كل المعارك الهامشية من انتخابات وتحالفات إيديولوجية..قبل تكريس "المدنية والحكم المدني.. كعقيدة عسكرية للجيش ..وعقيدة سياسية للشعب "..وأمام هذا الوعي الممتد إلى فصائل "الجيش الليبي الثوري" ليصبح عقيدة..لا أعتقد أن محور الشر العربي والثورات المضادة المتعسكرة سيبقى لها أثرا بل وجودا في المستقبل المغاربي للشعوب..ولا أعتقد أن المبادرات السياسية للثورة المضادة بزعامة مصر المتعسكرة والانقلابيين ستنقذ أعداء الربيع الليبي..ليبيا الثورية وبثوارها العسكريين قد تحسم هذه المرحلة (مرحلة تحرير الجيش) ..ولكل شعب ثائر ابداعات ثواره. حين يصبح الثوار فيها مدنيين وعسكريين هم مشروع الحرية والمدنية .وقد تكون ثورة الجزائر بثوراها السلميين المدنيين .. إذا وفقط إذا ما بقي الثوار مشروعا للحرية والمدنية وعضوا على شعبية حراكهم بالنواجد.. وإذا وإذا فقط.. أسقطوا كل مشاريع التلهية التي تسوقها ما يسمى "الجزائر الجديدة" والمتورطين في أحابيلها..وإذا وفقط إذا تجاوز الحراك المعارك الهامشية والتلهي في قاعات الملهيات بمناقشة مواد دستورية واستراتيجيات انتخابية بوصفها مخرجات الثورة المضادة ..مضادة لمسار الحراك الشعبي ..وإذا وفقط إذا ..ابتعد الثوار عن صراع المواقع والمغانم والتحالفات الايديولوجية المهلكة القاتلة .وإذا فقط إذا ..ركز الحراك على التمحور الدائم على مركز الازمة (تحرير الجيش ) ستكون عندها تجربة الجزائر السلمية أكثر رقيا - من حيث هي سلمية - في تحقيق هذا الهدف المركزي لمعركة "الحرية للشعوب" وسيكون ثوار الجزائر الأحرار هم مشروع الحرية والمدنية ونموذجا عالميا للتغيير السلمي .وما ذلك على الجزائريين كشعب ثوري سلمي بمستحيل ..الحراك السلمي مستمر ..اللهم إرفع عنا الوباء .
شوهد المقال 555 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك