أحمد سعداوي ـ [سجن نيسان 2003] العراقي
بواسطة 2020-03-26 01:54:13

أحمد سعداوي
في الأشهر الأولى ما بعد الاحتلال وسقوط نظام صدام في نيسان 2003 كنت مثل غيري شاهداً على اختفاء الدولة، فلا شرطة ولا جيش ولا أي جهة تحفظ الأمن في الشوارع والأحياء السكنية.
كنت مثلي غيري أيضاً شاهداً على محاولات الأحياء السكنية حفظ الأمن بشكل تطوّعي، وكان أخواني يساهمون مع بقية الشباب في حيّنا السكني في التناوب على واجبات الحراسة، باستعمال بندقية كلاشينكوف واحدة.
كانت هذه في الحقيقة الأجواء التي ظهرت فيها المليشيات بالشكل الذي عرفناه فيها لاحقاً. هنا يبدو ظهور المليشيا أمراً محتوماً وواجباً. وفي كل البلدان التي شهدت حروباً وصراعات، بل وحتى نكبات طبيعية من فيضانات وزلازل وما الى ذلك، تظهر المليشيا كقوّة محليّة للسيطرة على الأمن وتنظيم الأمور الحياتية العامة التي تعجز أجهزة الدولة الطبيعية عن القيام بها. وفي كثير من الأحيان، في البلدان ذات البنية القويّة قانونياً ومؤسساتياً، يكون عمل المليشيا شرعياً في هذه الأوقات الاستثنائية بالتنسيق مع مؤسسات الدولة الشرعية.
المليشيا ليست شرّاً مطلقاً، والوصف بالمليشياوي ليس شتيمة. إنها القوة المسلّحة الشعبية من المتطوّعين، أو الجناح العسكري لحزب أو تيار سياسي يظهر في الأوقات الاستثنائية، لأسباب ظاهرياً على الأقل تتعلّق بحفظ الأمن أو الدفاع عن المجتمع من تهديد خارجي.
ماهو طارئ ومؤقت في البلدان المحترمة يغدو في البلدان الضعيفة دائمياً بسبب امتلاك المليشيات لمشروعها الخاص الذي يتعدى التصدي لظروف طارئة. فيغدو هناك نوع من التلازم ما بين شرعية المليشيا وسقوط أو ضعف الدولة.
في الدولة المحترمة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الشرعية بواجباتها لا حاجة لأي مليشيا، ويمكن لأشكال التضامن الاجتماعي الأخرى "غير المسلّحة" أن تعمل تحت سلطة القانون بعناوين الجمعيات والروابط والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بل وحتى الأحزاب.
من مصلحة المليشياوي أن لا تقوم الدولة، وتكون مقصّرة دائما في واجباتها، فهذا هو المجال الأمثل لبروز العضلات الروبن هودية للمليشيا، ومجال استعراض البطولات الخاصة. الملشياوي مع غياب الدولة هو المخلّص والمنقذ والبطل الشعبي.
من مصلحة المليشياوي أن تبقى الدولة والبلد كلّه مسجون في لحظة نيسان 2003 وأن لا يتحرّر منها أبداً. حيث الشعور بانهيار الحدود وتغوّل الخصوم وتكاثرهم الشبحي داخل الظلام الدامس، واللعب بالهواجس الشعبية الفطرية وحاجات المجتمع للأمان والشعور بالطمأنينة.
وحين نخلط كل ما سبق مع النصوص الدينية وبلاغة الخطباء والضرب على الغرائز البدائية من التلذّد بالعنف، واستثمار تراث الكراهيات العنصرية، فإننا نحصل على جدار هائل وصلد يحجب "الدولة" عنّا الى الأبد.
شوهد المقال 886 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك