أحمد سعداوي - فضاء التظاهرات في العراق
بواسطة 2015-08-30 01:01:57

أحمد سعداوي
من أبرز الاشياء التي حصلت في عراق ما بعد 2003 هو اغلاق وانغلاق الفضاءات المدنية أو انحسارها، وانفتاح الفضاءات الحزبية والدينية وتمددها الهائل.
وما أقصده بالفضاء هنا هو "المكان" تحديداً.
بالتأكيد لم يكن الوضع ما قبل 2003 مثالياً، ولعل بدايات الانحسار للفضاء المدني كانت من عقد التسعينيات؛ المسارح وصالات السينما وقاعات العرض التشكيلي والمكتبات العامة. المقاهي والمنتديات الثقافية والرياضية والعلمية، الجمعيات والروابط، ثم المكان الاجتماعي العام؛ الأسواق ومراكز الترفيه والبيع والشراء والمتعة، المتنزهات والحدائق والمطاعم.
كل شيء أختفى بشكل حاسم، خصوصاً في فترة العنف الطائفي في 2006-2007 التي شهدت اغلاق حتى شارع المتنبي ببغداد.
يقابل ذلك ازدهار الفضاء الحزبي والديني، من جوامع وحسينيات ومنتديات، وطقوس وشعائر ومهرجانات دينية يتم رعايتها وانفاق الاموال عليها وتسخير الجيش والشرطة وكل ممكنات الدولة من اجل انجاحها وادامتها.
في الفضاء المدني، أياً كانت خلفيتك الطائفية والعرقية فأنت غير قادر على استعمالها. تنطفئ الغدة العنصرية بشكل تلقائي، لأن الفضاء المدني يحرض غدداً أخرى مناسبة له.
في الفضاء المدني تتعود على التنوع، وعلى رؤية أشكال وسحنات متباينة ولهجات ونبرات صوت متعددة. في هذا الفضاء تتعود على أن تعيش ذاتك من دون حبال تحركك كدمية ضمن فصيل دمى بالحركة ذاتها.
في الفضاء المدني تتشكل تصنيفات أخرى للمجتمع، غير الطائفية والعرقية، تتشكل جماعات الميول والاتجاهات والأذواق والحاجات.
ولكن، بدون فضاء مدني لن تتمكن من القيام بشيء، فهذا الفضاء مثل الأرض التي تريد بناء منزل عليها. بدون الارض لا شيء يحدث.
لذلك فإن فضاءً جديداً مثل شارع الفراهيدي في البصرة، هو ليس مجرد سوق او بسطات لبيع الكتب، انه تأسيس لمكان مدني. لذلك تبدو السخرية من تحوّل شارع المتنبي الى منتدى مفتوح وصاخب وليس سوقاً تقليدية لبيع الكتب، امراً غير مفهوم ولا مقبول. المجتمع يريد توسيع هذا الفضاء المدني، لانه لا يملك بدائل كثيرة.
لذلك، برأيي الشخصي، قوة ساحة التحرير ببغداد، واماكن التظاهر المشابهة في المحافظات، في أنها ارتجلت مكاناً مدنياً، وباستمرار تقاليد التظاهر فيه، فإن ما يتأسس على المدى البعيد هو تعزيز الحاجة للمكان المدني، واشعار الجماعة المدنية بجسدها الاجتماعي، والاستفادة من المكان كبؤرة ونواة لتوسيع القاعدة المدنية.
لا أحد يضمن استمرار التظاهرات بالوتيرة ذاتها الى ما لا نهاية، ولكنها لحظة صحوة وولادة للشعور، ودعونا ننطلق من هذا المكان الارتجالي لتأسيس أماكن وفضاءات مدنية أكثر رسوخاً، فهذا منطق وحركة التاريخ. التنوع ينتصر، واللون الواحد مقهور لا محالة.
.
شوهد المقال 1408 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك