أحمد سعداوي - مرجعية "دور مرجعية النجف الشيعية في العملية السياسية في العراق"
بواسطة 2015-08-21 00:33:20

أحمد سعداوي
"دور مرجعية النجف الشيعية في العملية السياسية في العراق" عنوان يصلح لرسالة ماجستير او اطروحة دكتوراه في العلوم السياسية، مع تحديد الفترة الزمنية، وأعتقد أن دراسة علمية معمّقة من هذا النوع ستعود علينا بفوائد كثيرة، لجهة فض الكثير من الاشتباكات والتهويمات في التصورات الدارجة في مقالات الرأي، او هنا في بوستات المثقفين والمعلقين.
***
شخصياً يحضر في ذهني دائماً الوصف الذي انتهى اليه الباحث الاميركي من اصل ايراني "ولي نصر" عن مطلب المرجعية الشيعية في النجف من العملية السياسية في المملكة العراقية الوليدة في بدايات القرن العشرين، وكيف أنها كانت تريد ما يشبه الموقع المعنوي والروحي المحترم، والذي لا ينبغي للدولة أن تتجاوزه، ويعطيها ما يشبه الوصاية المعنوية على العمل السياسي والقرارات الستراتيجية الكبرى التي تخص مصير البلد. وكان أن ضربت المملكة الوليدة هذا المطلب عرض الحائط وحاصرت المرجعية، لأنها كانت بصدد انتاج دولة/امة عربية قومية التوجه، منفتحة قدر الامكان على التثاقف مع الغرب، وتحتذيه في بناء المؤسسات والشكل المعاصر للدولة، بالاضافة الى أسباب أخرى كثيرة يطول تفصيلها.
***
برأيي أن الجدل والتراسل ما بين النظام السياسي الملكي ومرجعية النجف ظل مستمراً حتى استقر على شكل من اشكال التخادم ما بين المؤسستين، على جذر ضعيف أساسه البعد الهاشمي العلوي للأسرة الملكية الحاكمة وانتسابهم الى آل البيت، وقيام هيكل المرجعية على حفظ تراث آل البيت، رغم التقاطع المذهبي بين المؤسستين. وايضاً لأن كلا المؤسستين اعلنتا تحفظهما وخوفهما من المد البلشفي الاحمر. ومن مبادئ الاشتراكية التي لا تناسب النظام السياسي ولا المرجعية.
وبرأيي الشخصي كانت تلك لحظة استقرار ذهبية كان من الممكن ان تنمو وتتطور بشكل واقعي، ولكنها سرعان ما ذهبت مع التغييرات الثورية الرومانسية. فدخلت المرجعية [تيارتها التقليدي التاريخي على الاقل] في سبات سياسي حتى التاسع من نيسان 2003.
***
بالتأكيد لم تصح المرجعية على خبر سقوط نظام صدام، وكانت واعية لما يجري ولديها تصور عما سيحدث لاحقاً، ولكنها في نهاية المطاف ليست مسؤولة عن شكل القوى والاحزاب [الشيعية بالذات] التي فرضت نفسها على الساحة السياسية الجديدة.
ويبدو أن مرجعية النجف كانت معنية بقضيتين أساسيتين؛ انتقال السلطة الجديدة الى أيدي الشيعة، بحكم الغالبية السكانية، ولكن مع وجود مناخ يساعد على "استقرار" هذه السلطة بيد الشيعة، وهذا ما لم يكن يحدث بتحويل الآخرين، غير الشيعة، الى أعداء. استقرار الوضع السياسي العام يعني استقرار السلطة في يد الشيعة. وعلى الساسة الشيعة الجدد ان ينجحوا في قيادة البلد.
الأمر الثاني، توحيد الجبهة الداخلية للشيعة، لهذا هي لم تستجب لرغبات مؤيديها من الفصائل السياسية التي انضوت بالعملية السياسية بمحو التيار الصدري من الساحة. وانتظرت اللحظة التي يتروض بها هذا التيار، وينهي تمرده ويستجيب لقواعد اللعبة السياسية، لما فيه "مصلحة الشيعة" وبالتالي مصلحة العراق الذي يحكمه الشيعة.
***
حاولت المرجعية، ضمن ستراتيج واعٍ ومدروس، ان تترك مسافة أكبر بينها والعملية السياسية، قياساً بالمسافة الاقرب بينها والمجتمع الشيعي والعراقي عموماً، وتمارس وظيفة "منظمة مجتمع مدني" وسيط، أكثر من وظيفة "طرف سياسي".
***
تعي المرجعية أن مصيرها كمؤسسة فاعلة مرتبط بتماسك المجتمع الشيعي العراقي، فهو القاعدة الأساسية في بناء رأسمالها المعنوي، لهذا هي [كما في خمسينيات القرن الماضي] لا تريد للمجتمع الشيعي ان يذهب بشكل صريح خارج الاطار المحافظ الذي يضع اعتباراً وهيبة ومكانة للدين وبالتالي لقضايا الارتباط بالمرجعية الدينية في النجف. هي تريد مجتمعاً مدنياً متنوعاً، ولكن بقيادة إسلامية.
***
بسبب قضية "القاعدة الاساسية للرأسمال المعنوي" فمرجعية النجف بكل تأكيد هي ضد النفوذ الايراني ومرجعية "ولاية الفقيه"، لأن أي تمدد لمرجعية ولاية الفقيه داخل العراق يسلب مرجعية النجف التقليدية سوقها الأساسي وموضع بناء رأسمالها المعنوي.
المرجعية قلقة من حالة الفشل العلني لتجربة الاسلام السياسي الشيعي، وقلقة من الخيارات البديلة، التي هي اسلامية ايضاً، ولكنها لا تضع اعتباراً كبيراً لمرجعية النجف. وقلقة من تفكك وانهيار البلد الذي لا يصب في مصلحة العراقيين، ولا يصب في مصلحة الشيعة بشكل أدق، هذا الجمهور الذي هو موضوع عمل المرجعية الأساسي باعتبارها مؤسسة دينية تقليدية.
***
المرجعية نالت وتنال جزءاً من الآثار السلبية لفشل الاسلاميين الشيعة، ومن الصعب المحاججة ضد من يرى أن المرجعية دعمت هذه الطبقة السياسية واسندتها سياسياً ودينياً.
***
برأيي.. أن مرجعية النجف ستبقى قوة فاعلة، وسيبقى تأثيرها، من خلف الستار، حاكماً على العملية السياسية، وستحمي المرجعية نفسها من أي تآكل في رصيدها الشعبي، بحكم الآليات الداخلية التي حفظت هذه المؤسسة على مدى ألف عام، ولكنها مدعوة للانفتاح على الطاقات [غير الاسلامية] في المجتمع الشيعي، لتطوير بدائل عن الطبقة الاسلامية الشيعية الحاكمة اليوم، وعن أي بديل راديكالي اسلامي يستفيد من طاقة الغضب ضد الاسلاميين الحاكمين اليوم.
***
ما كتبته أعلاه مجرد وجهة نظر محمّلة بالكثير من التخمينات والظنون، وهي لا تطمح أن تكون علمية بالتأكيد، أتمنى أن تكون مفيدة.
.
شوهد المقال 1340 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك