حارث حسن - تاملات احتجاجية 2
بواسطة 2015-08-17 00:31:24

حارث حسن
جميلة هذه الروح التي أطلقتها الاحتجاجات، الشعور بان أحزاب السلطة خائفة من الناس ومرتبكة، الاحساس بأن الاحتجاجات تخلق فضاءاً عامّا عراقياً بلغة وأولويات مختلفة عن تلك السائدة في سياسة النخب. لكن لنتذكر، يعبر الاحتجاج الشعبي عن عاطفة جمعية ونادرأً ما يطلق حلولاً واضحة، وهذا مفهوم لأن الاحتجاج يعني اساساً "رفض شيء" ولا يعني بالضرورة ان هناك شيئاً آخر واضحٌ يقترحه المحتجون .
مثل الكثير منكم راقبت حركة الاحتجاجات في "الربيع العربي" ، رأيت في مصر – مثلاً - كيف دعا الناس الى اسقاط النظام، فاعطاهم النظام مبارك من أجل يبقى، ثم اعاد النظام تقديم نفسه بوصفه "ثورة". كنت في اسبانيا عندما انطلقت حركة الاحتجاجات الشعبية ضد اجراءات التقشف التي فرضها الاتحاد الاوربي، ولدي بين الاصدقاء محتجون حدّثوني عن خيبة الأمل بعد الفورة العاطفية للاحتجاج. في ايطاليا، لم يكن الاحتجاج مظاهرات بقدر ما كان حركة سياسية جديدة اسمها "الخمسة نجوم" يترأسها ممثل كوميدي، حصدت أكثر من 25% من مقاعد البرلمان واصبحت أكبر حزب في البرلمان، الّا انها حالما وصلت للبرلمان لم تعرف ماذا تفعل، فالحركة كانت في جوهرها حركة احتجاج. رأيت الايام الأخيرة لخيم حركة (احتلوا وول ستريت) في العاصمة واشنطن، تلك الحركة التي نظّر لها بعض الشيوعيين الكلاسيكيين باعتبارها ستزلزل النظام الرأسمالي، قبل ان تتبخر وكأنها لم تكن أصلاً.
الاحتجاج وسيلة رائعة لنقول لا، لكنها نادراً ما تجيب عن السؤال "ما العمل".
بدأ العراقيون تظاهراتهم بسبب غياب الخدمات، الكهرباء تحديداً، ولأنهم بدأوا يشعرون بعبء الأزمة الاقتصادية (وهي لا زالت في بدايتها). كثير منهم كان ساخطاً بسبب الفروق الاجتماعية التي أخذوا يستشعرونها بين طبقة أثرت هي وأفراد عوائلها والمقربين عبر الادارة المافيوية لمؤسسات الدولة، وبين الغالبية من الناس الذين لم يكن لديهم نفس الحظ (خصوصاً وان الاثراء في العراق هو الى حد كبير لعبة حظ). ولأن الدولة كانت تتآكل وتضعف فان قدرة الحكومة على منع الاحتجاج او قمعه ظلّت محدودة، والطبقة السياسية وبعض قواها يحاولون "استيعاب" الاحتجاج وترويضه لصالحهم. لكننا نعلم جيداً ان لحظة الاحتجاج السلمي عابرة، فهي امّا تتحول الى صراع عنيف (النموذج السوري)، او تتلاشى (النموذج البحريني).
والطريق بين النموذجين يتعلق كثيراً بالسؤال الكبير: ما العمل. وهنا السؤال الكبير ليس عن تغيير الاشخاص، بل عن طبيعة التغيير الذي يجب ان نجريه في النظام بحيث لا ينتج أشخاصاً من نفس النوع. سؤال صعب.
https://www.facebook.com/harith.alqarawee
شوهد المقال 1039 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك