شعلان شريف - في الذكرى الخامسة والعشرين للاحتلال الصدّامي لدولة الكويت. كيف أصبح صدّام "بطلاً قومياً" و أيقونة شعبية عند الكثير من العرب؟
بواسطة 2015-08-04 14:24:00

شعلان شريف
العراقيّون (الشيعة تحديداً) يطرحون تفسيراً واحداً للظاهرة "الصدّامية العربية": العرب طائفيون وهم يحبون صدّام لأنه سنّي نكّل بالشيعة وحارب دولة إيران الشيعية. تفسير واهٍ جدأً يُـسقط الاستقطاب الطائفيّ الحاليّ على ظاهرة بدأت قبل ربع قرن حين لم تكن الطائفية فاعلة في النفوس والمواقف كما هي الآن. لقد حارب صدّام دولة إيران الشيعية طوال ثماني سنوات ولم يتحول إلى بطل شعبي عربي بالرغم من الأموال الطائلة التي أنفقها لهذا الغرض وبالرغم من جهود جيش من الصحافيين والفنانين العرب المرتزقة... نعم كان يحظى بدعم رسميّ واسع من غالبية الحكومات العربية وكان لديه أنصار مدفوعو الثمن في كل البلدان العربية... لكنّه لم يصبح آنذاك بطلاً شعبياً.
وحين احتلّ دولة الكويت العربية "السنية" أصبح فجأة أيقونة الشعوب العربية، رغم أنه لم يعد قادراً على دفع الأموال بسخاء للأنصار والمرتزقة.. فهل يمكن تفسير ذلك طائفياً؟ (لا بأس هنا بتذكير أصحاب التفسير الطائفيّ بأن الكثير من عشاق صدام كانوا حتى قبل سنوات قليلة يحبون ايضاً حزب الله وكثير منهم تتجاور في منزله صورتا صدام وحسن نصر الله، رمزي الكرامة العربية!)
في المقابل يزعم الكثير من العرب أنّ "الجماهير" تولّهت بصدّام لأنه الرئيس العربي الوحيد الذي تجرأ على إطلاق الصواريخ على إسرائيل فأعاد للعرب شيئاً من كرامتهم المهدورة.
في هذا التفسير تضليل وتدليس في الحقائق.
أطلق صدّام صواريخه على إسرائيل في شباط (فبراير) عام 1991 بعد انطلاق الحرب الدولية لإخراجه من الكويت، بينما كان صدّام قد أصبح بطلاً وأيقونة ورفعت صوره في الكثير من المدن العربية وأطلق اسمه على مئات المواليد الجدد واضطرت بعض الأنظمة إلى شنّ حملات قمعية ضدّ أنصاره واعتقل كتاب وصحفيون لأنهم كانوا يحرضون الجماهير للدفاع عن "صدّام". حدث ذلك قبل أن يطلق صدّام صاروخاً واحداً على إسرائيل بعدة أشهر.
ببساطة يمكن الاستنتاج أن الحدث الوحيد الذي جعل صدّام رمزاً لـ "الكرامة العربية" هو ليس حربه ضدّ إيران ولا إطلاقه الصواريخ على إسرائيل بل: احتلاله للكويت!
هذا الاستنتاج يتجنب البعض طرحه لأنه استنتاج مؤلم أكثر من تفسير محبة الجماهير العربية لصدّام بضربه لإسرائيل أو بخطابه المعادي للإمبريالية الأمريكية.. أو حتى التفسير الطائفي السطحيّ.
مؤلم هذا الاستنتاج لأنه يعني أن الشعوب العربية كانت (ولا تزال) تعيش في مرحلة بدائية من حيث التفكير السياسي ... فكلّ ما كان يوجّه بوصلتها هو الكراهية الممزوجة بالتملق لدول النفط الخليجية لا أكثر. الجماهير العربية كانت (ولا تزال) تحلم بتأشيرة دخول إلى الكويت أو الإمارات للعمل في أي مهنة وفي نفس الوقت تحمل هذه الجماهير ذاتها كراهية طبقية عميقة تجاه إمارات النفط ورغبة بالتشفي بها حين تتعرض لأي كارثة .. لذلك فإن المحبة العربية لصدّام كانت في جوهرها ليست سوى تعبير مموه عن نزعة غرائزية بدائية للتشفي والشماتة بالكويتيين لا أكثر.. وكلّ ما أضيف لها من تفسيرات سياسية، قومية ويسارية وإسلامية وطائفية ليس سوى خطابات تمويهية.
كراهية الخليجيين والرغبة بالتشفي بهم هي أيضاً نتاج لعقود من التثقيف الذي مارسه صنّاع الرأي العام من كتاب وصحفيين وشعراء قوميين ويساريين ضدّ هذه المشيخات "الشيطانية".. وقد اكتملت المهزلة- المأساة في السنوات اللاحقة حين رأينا عدداً ليس بالقليل من هؤلاء القوميين واليساريين وهم يتسابقون لنيل الوظائف في المؤسسات الإعلامية والثقافية الخليجية متنكرين لتراث "الحقد الطبقيّ" الذي زرعوه في نفوس الجماهير!!
https://www.facebook.com/chaalan.charif
شوهد المقال 937 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك