أحمد سعدواي - حاكموني مع نبيل
بواسطة 2015-06-07 23:15:41

أحمد سعداوي
.
كان يوماً ملتهباً من صيف 2006. شهد انفجار 9 مفخخات في الكاظمية والكرادة ومدينة الصدر ومناطق أخرى، واصطبحنا على 150 جثة مجهولة الهوية استخرج بعضها صيادو الشواكة والاعظمية من نهر دجلة، وأخرى وُجدت مرمية على الارصفة والطرقات.
وكنا، نحن الحمقى الذين نخرج الى اعمالنا ووظائفنا وكلياتنا كل صباح، نظن ربما أنه "موتٌ يحدثُ للآخرين"، ونحن سنبقى متفرجين، نحن "أبطال الفلم"، والبطل لا يموت في منتصف الفلم! وهي فكرة عبرت عنها وكتبتها كثيراً.
كان هذا اليوم، العينة المثالية من الجحيم، ولا جحيم يشبهه أبداً، حين يتصل شخصُ ما بسائق الكيا الميني باص التي نستقلها ويخبره بأن لا يتوجه بسيارته الى باب المعظم، لأن "القاعدة" هناك اختطفوا كيا من خط الكيّارة واخذوها الى الفضل. حين كانت المليشيات الشيعية، عقب كل انفجار دموي في الأحياء الشيعية، يذهبون جهاراً نهاراً الى الصليخ ومناطق "سنيّة" أخرى لـ "يتسوقوا" شباباً من الشارع كيفما اتفق، ويقتلونهم انتقاماً من عدو لم يستيطعوا مواجهته وجهاً لوجه.
في هذا اليوم الجحيمي وصلت الى السفارة البريطانية في المنطقة الخضراء، أتصبب عرقاً ويملؤني ألف شيطان للذعر والقرف والألم. كان هناك احتفال مصغّر بعيد ميلاد ملكة بريطانيا، وكنت ملزماً بتغطيته لصالح البي بي سي.
ما هي إلا لحظات حتى تقاطر كل الكومبني السياسي العراقي، وعلى أنغام البيانو، ومع صينيات الواين الابيض والأحمر وصواني المزة الجاهزة وساوندويتشات الدجاج والخضار الصغيرة التي يدور بها نُدّل ببدلات بيضاء وفيونكات. كان الجميع وكأنهم خارج العراق.
كان "مو بيكر" أحد الحاضرين، واجريت معه مقابلة. تحدث بسرعة وخرط امامي كل "الطقم" على حد قول زيمباوي في مسرحية الزعيم.. خرطه خرطاً: المرحلة الانتقالية.. العملية السياسية.. تداول السلطة.. الديمقراطية.. التوافق.. محاربة الارهاب.. لب لب لب لب.
خرطه بسرعة قياسية.. ثم ظل يضحك وتركني الى وسيلة اعلامية أخرى.
ظاهراً لا مشكلة في الموضوع، ولكني عقب انتهاء الحفل الذي بلغت درجة الاسترخاء فيه 10.000 % كفرت بكل مقدسات الدنيا. وسرعان ما خرجت الى درجة حرارة الانصهار في الشارع، وواجهت باعة المناديل في التقاطعات ووجوههم المحترقة، ورأيت مليون مواطن "يهفّي" في الظل من الحر. وعدت الى تعداد الضحايا والمواجهات المسلحة، وتصريحات المحرضين على الطائفية من كلا الفريقين. وهم معروفون بالاسماء، ولم يفعل لهم "مو بيكر" ولا أي زميل آخر له شيئاً.
أما أن يأتي الآن السيد "مو بيكر" ويقول كنا ندري بس كنا ساكتين.. فهذه جريمة مضاعفة.
لا أعرف تسمية أخرى... إنها جريمة، واذا كان من يصفها بهذا الوصف متهماً، فأنا متهم.
ذاكرتنا لم تضعف بعد، ولا يمكن لنا أن ننسى بسهولة هذا الجحيم الذي عشنا ونعيش فيه.
أتضامن مع الدكتور نبيل جاسم، وإن كان من الصعب محاكمة الصامتين والمتواطئين والشركاء في اراقة الدم العراقي. فلا أقل من إدانتهم أخلاقياً. وهذه مهمة الجميع وليس نخبة محددة.
.

شوهد المقال 914 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك