أحمد سعداوي - من لا يملكُ قصّة
بواسطة 2015-05-26 19:32:42

أحمد سعداوي
.
هل أنت محظوظ أم سيء الحظ؛ أنتَ يا من دخلت الى هذه الحياة وخرجت منها ولم تملك قصّة؟
.
ـ قصة تكثّفها صورة، كما هو صاحب أكياس البقالة الذي وقف بوجه الدبابات عند ساحة "تيانن من" الصينية في 1989.
ـ قصة حدثت بسبب وجود الشاهد المناسب، الذي سمع منك الكلام المناسب في اللحظة المناسبة، كما في خطب شهيرة لغاندي ومارتن لوثر كينغ ومانديلا وآخرين. كان لها مفعول الشرارة لأحداث كبرى لاحقة.
.
وفي هذا الزمن الذي تسيطر عليه الميديا بشكل كاسح، أصبحنا عبيد "القصة":
ـ فنحن نصدق أن كل ما في هذه الميديا هو ما حدث في الواقع أصلاً. وقصص الميديا هي قصص الواقع. إذن؛ من لا قصة له في الميديا لا قصة له في الواقع..!
ـ نحن نصدّق، أنه من الضروري أن تكون لك قصة. ولكننا قد لا نفهم أن القصة في النهاية تخضع للاشتراطات "النصية" أكثر من اشتراطات الواقع. الواقع فوضوي جداً وغير خاضع لأي انتظام. إنه ينتظم في حكايتنا عنه. ننظمه داخل الحكاية حتى يكون قابلاً للحكي والسرد. نجعل له "نصيّة" ما. ونحن بذلك نعدل فيه ونشوّهه بدرجات متفاوتة. إننا ننتج واقعاً معدّلاً في الوقت الذي نحاول نقل ونسخ وتصوير هذا الواقع.
ـ نحن، بسبب هذه المهيمنات نكترث لمن يملك، بسببه هو او بسبب السياق الذي وُجدَ فيه اعتباطاً، قصة متماسكة. ونتجاهل من لا يملك قصة، أو يملك قصة لا تخضع لاشترطات المهيمنات الذهنية العامة.
ـ لا نتأثر كثيراً لذلك الجندي من حرب الثمانينات، الذي نزل مجازاً من جبهة "الشيب والطيب"، وضربته شاحنة على الطريق وقتلته. نكترث أكثر لذلك العريس الذي عاد من اجازة عرسه، وهو يجدف ويشتم المقدسات لأنه ترك عروسه وجاء الى جبهة الحرب، وقبل أن يصل الى موضعه تأتيه اطلاقة قناص مفاجئة وترديه في أرضٍ ما بين السلم والحرب. [القصتان بالمناسبة حقيقيتان]. وما هو أدهى؛ نحن لا نكترث كثيراً لأؤلئك الذين ليست لديهم قصة، رغم أنهم عاشوا وماتوا ربما ميتات درامية بشعة. لأن المهيمنات العامة الذهنية والاعلامية والسياسية لفظتهم وطرحتهم كنفايات على هامش الأحداث.
ـ نحن نستهلك ما يعطى لنا. نأكل القصص الموضوعة على المائدة، ولا نقطفها من الشجرة مباشرة.
ـ نحن نسحق، بمقصلة اللا مبالاة الجماعية، وجودات بشرية كثيرة، لأنها كانت خارج مقاسات القصة المرغوبة اجتماعياً وسياسياً. ولا نمنحهم حق أن يبقوا معنا كقصص.
ـ من لا يملكون قصصاً هم الأكثرية والأغلبية. ونحن الذين نجهد في صناعة قصتنا الخاصة، أو نعتاش على تداول قصص الآخرين، نبقى أقلية صغيرة أنانية تكترث بما لديها فحسب.
شوهد المقال 1205 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك