أحمد سعداوي - تكلفة كريم وصفي
بواسطة 2015-05-17 18:07:36

أحمد سعداوي
بالتأكيد هناك من سخر [وما زال يسخر] من جلوس عازف چلو [كريم كنعان وصفي] في مكان تفجيرات حي المنصور، ثم تكرار هذا العمل في تفجيرات حي الكرادة، وأخيراً أمام حرائق البيوت في حي الأعظمية.
إنه عمل يبدو مفهوماً ببساطة على انه احتجاج على الدمار والخراب والقتلة. الشعور بلا جدوى الاحتجاج، وغرابة شكل عازف الچلو الذي يعزف موسيقى غير رائجة، هو ما يدفع للسخرية عند البعض. والعمل، مع ذلك يبقى، عند الغالبية عملاً مشوش المعنى، وبرأيي قد يكون هذا التشويش هو الأمر الأكثر أهمية من معنى الاحتجاج البسيط نفسه.
التشويش يقود الى مزيد من التفكير، وقد ينتهي التفكير الى نتائج ايجابية، أو نتائج سلبية عدة لا بد أنها خامرت اذهان الكثير منا، مثلاً:
ـ أنه عمل غير مكلف. يحمل آلته الموسيقية وبدل ان يجلس في صالة بيته يعزف، يخرج الى الشارع ويقوم بهذا العمل، ويحصل على "شيء من النجومية".
.
ـ افتهمنا يا عمي.. راح تتعب والله.. يعني خلي فد 366 موعد عزف على اجندتك لهذي السنة، على عدد التفجيرات المحتملة. راح تمل، وراح التأثير العاطفي والنفسي لهذا العمل، بسبب التكرار، يبهت ثم يتلاشى، وفي الاخير.. سيمر الناس بجوارك ولن يكلفوا انفسهم حتى رفع موبايلاتهم لتصوير ما تقوم به.
.
ـ يعني شنو يريد يصير رمز ومثال.. حتى الناس تقلده مثلاً؟! ماكو هيچ شي بهذا البلد، لو ينزل المسيح نفسه ويعاد صلبه بالعراق محد راح يهتم. والحسد بين الاقران والاشباه راح يشتغل، ويفشلون عمل الانبياء والاوصياء مو انسان عادي لو فنان..!
.
#رأيي_الخاص؛ نعم، هذا عمل لا يبدو مكلفاً. ما اكتبه الان، على سبيل المثال، لا يبدو مكلفاً أيضاً. احصل على لايكات "غير مكلفة" لقاء عمل غير مكلف. ولكن لننتبه؛ إن "التكلفة" نسبية دائماً. كم من شخص يتحمل "تكلفة" الوقوع في حرج السخرية من الناس؟ كم من عازف چلو تجاوز هذه التكلفة الاجتماعية ورافق كريم وصفي وجلس بجواره على الرصيف؟ كم من عازف لديه الايمان بالقيمة الرمزية لاعمال مشابهة، وشارك هذا العازف عمله؟ كم من روح إيثارية تشارك في هذه التكلفة وتحوّل القطرة الى مجرى نهر؟!
.
و... نعم، يفقد العمل بالتكرار زخمه الانفعالي، ولكن التكرار أيضاً يعمل مثل المطرقة على مكان واحد. إن لم ينتبه الاخرون في المرة الاولى، فربما في الثانية.. او المرة الخمسين.. يجب ان ينتبه "الآخر" القابع في لامبالاته.
.
و.. نعم، كرسي "الرمزية" شاغر. كن جريئاً وتقدم واجلس عليه. ليس هناك شخصٌ محدد يستحق، ابتداءً، ان يتحول الى رمز، وانما عمله يقوده الى هذه المرتبة. ووسط كثافة رموز الظلام والظلامية التي نعيش تحت وطأتها، لابد من رموز، بغض النظر عن هالة التأثير التي تخلقها، يولدها المجتمع المدني. حتى وان كان تأثيرها النهائي مشابهاً لتأثير صرخة استنجاد. أو تأثيراً بلاغياً متكلفاً ينبئ بقرب النهايات، كما في مشهد عازفي الكمان في غرق التايتانك.
.
أن تفعل شيئاً، وتتجاوز كل ركام الشبهات وسوء الفهم واللغط والسخرية، هو خيرٌ من أن لا تفعل شيئاً. أن تفعل شيئاً في هذه الأجواء، لهو أمرٌ مكلفٌ حقاً.

شوهد المقال 1642 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك