رائد جبار كاظم - دفاعاً عن الهوية العراقية
بواسطة 2015-03-10 23:11:07

د. رائد جبار كاظم
حقاً لقد استطاع المفكر السياسي والاسترتيجي الاميركي صموئيل هنتنغتون ( 1927ـ 2008م) ان يفُصل القول في تحديد معالم البحث في موضوع الهوية عامة والهوية القومية الامريكية خاصة، من خلال كتابه الآخير(من نحن ؟ المناظرة الكبرى حول امريكا ) الذي يقف الى جانب شقيقه كتاب ( صراع الحضارات نحو اعادة بناء النظام العالمي الجديد ) والذي يعد الجزء المكمل لمشروعه ( صدام الحضارات )، ولست هنا بصدد عرض او تقييم لمشروع هنتنغتون او احد مؤلفاته، ولكني اود الاشارة الى مسألة في غاية الاهمية كانت وراء تأليف كتاب (من نحن ؟) وهي تنبيه هنتنغتون للمواطن والمجتمع الامريكي وتوجيهه نحو الاهتمام بالامن القومي والوحدة القومية الامريكية، لانها تتعرض لازمات كبرى ومحاولات لطمس عظمة امريكا على ايادي الكثير من المستفيدين والمعادين لامريكا. يرى هنتنغتون ان حادث 11/ ايلول/2001 وحد الامريكيين، وانهم كانو قبل ذلك مشغولين بمناقشات ومناظرات فرعية حول التعددية الثقافية واللغوية والاختلاف والتنوع الاثني في امريكا، ولكن الحادث وحدهم واصبح هدفهم الاساس هو الحفاظ على الهوية والقومية الامريكية، وبذلك توحد الشعب الامريكي رغم تنوعه الاثني، وتم تأجيل جميع الموضوعات والهويات الفرعية والعنصرية للحفاظ على الهوية القومية الكبرى، كما ان هذا الحادث رفع شعور المواطنيين تجاه وطنهم، ودليل ذلك كما يرى هنتنغتون ان ظاهرة رفع العلم الامريكي على المباني والمنشآت قد ضعفت، ولكنها بعد 11/ ايلول اصبح العلم الامريكي في كل مكان وبشكل لم يكن مألوفاً بهذا الحجم. وهنتنغتون مسرور جداً بارتفاع الشعور القومي لدى المواطنين الامريكيين، لأن ذلك سيجعلهم موحدين ضد اعدائهم والمخاطر التي تواجههم، ولذلك عليهم ان يبقوا دائماً يقضين وموحدين لأن العدو مستمر ودائم، فامريكا ( لن تستطيع العيش من دون عدو )، وانه بذهاب عدو يجب ايجاد عدو آخر، ليبقى الشعور القومي والوطني حاضر بقوة لدى المواطنين الامريكيين. لست هنا في معرض مناقشة هنتنغتون في فكره او مؤلفه او منطقه الصدامي، ولكنني مؤمن بفكرته ان الشعوب والامم عندما تتعرض لمخاطر وازمات كبرى تؤجل كافة موضوعاتها وهوياتها الفرعية كي تحافظ على وجودها دفاعاً عن هويتها القومية والوطنية الكبرى. نشهد اليوم في عالمنا العربي والاسلامي لمحن وكوارث اجتماعية وسياسية واقتصادية وانسانية كبرى، لم نستطع من خلالها ان نلملم جراحاتنا ونتحد صفاً واحداً للحفاظ على هويتنا العربية والاسلامية، واننا نزداد بعداً ولم نقترب لمعالجة قضايانا المشتركة قومياً ودينياً، بل يسعى الكثير من الاعداء والخصوم لزيادة الهوة والانقسام بين العرب والمسلمين، من خلال اختلاق وصناعة الكثير من الانحرافات والانقسامات داخل البيت العربي والاسلامي. ولم يقتصر الامر على اماتة الشعور القومي والديني لدى العرب والمسلمين، بل تعداه الى اماتة الشعور بالوطنية لدى المواطنين في البلد الواحد، وهذا ما نشهده اليوم في الكثير من الدول العربية، وليس ببعيد حالنا اليوم في العراق. ان التجربة السيئة والمخاطر الكبرى التي يتعرض لها العراق والمنطقة برمتها تحتاج الى وقفة تأمل وتخطيط وتأن في معالجة الكثير من القضايا والموضوعات المهمة على المستوى الوطني والاقليمي والدولي، وتصحيح المسارات واقامة سد وحاجز فولاذي بوجه الكوارث والمحن والازمات التي نتعرض لها يومياً، وان نقدم المصلحة الوطنية الكبرى على جميع المصالح الثانوية. من المنطقي ان المخاطر والكوارث والحروب التي نتعرض لها يومياً في بلدنا تجعلنا اكثر وحدة وتماسكاً ولحمةً ووطنيةً، ولكن الامر يتجه نحو العكس، وبالمقلوب تماماً، وعكس منطق وفكرة هنتنغتون اعلاه، (عند المخاطر تتحد الشعوب)، واننا كلما تعرضت هويتنا الوطنية للمخاطر والانقسام زدناها خطراً وانقساماً، واتجهنا نحو الكلام والدفاع عن هوياتنا الفرعية والعنصرية والدينية والاثنية، ولذلك كلما زادت المخاطر تجاه بلدنا وهويتنا الوطنية العراقية اتجهنا نحو ايقاظ هوياتنا الثانوية، لنتقوى بها على بعضنا البعض، ولم نحسب لهذه الارض الطيبة ولوطننا الكبير اي حساب، فمتى ندرك اننا ارض واحدة ووطن واحد وشعب واحد، دون تمييز بين قومية وآخرى، ودين وآخر، ومذهب وآخر. نستطيع ان ندرك ونحقق كل ذلك حين نتحد في الدفاع عن هويتنا الوطنية العراقية، ونزداد ايماناً بمسؤوليتنا تجاه وطننا، وندفن كل حماقاتنا وخلافاتنا السياسية والدينية والعنصرية، وندرك ان وجودنا لا يتحقق الا بهويتنا الوطنية ، التي هي تمثل هوية البقاء والامن والامان في ظل تعدد الهويات والاثنيات والانتماءات الاخرى.
raedjk777@yahoo.com
شوهد المقال 1060 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك