أحمد سعداوي - عن بغداد و ايران .. لماذا لا نتكلم بصراحة؟
بواسطة 2015-03-10 20:10:30

أحمد سعداوي
ـ الفترة الساسانية في تاريخ العراق هي جزء من التاريخ العراقي، وليست مجرد سلطة لدولة محتلة. ففي أعراف ذاك الزمان لا يوجد شيء اسمه احتلال وتحرير واستقلال وما الى ذلك. وإذا تابعنا ثنائية الاحتلال والتحرير فأن دخول العرب المسلمين الى العراق أيضاً هو احتلال، على حد رأي بعض المتطرفين من الكلدان والآشوريين العراقيين اليوم.
وعلى الرغم من بقاء الفارسية كلغة سلطة وليست شعب، ولكن هذا أيضاً حصل مع العربية، وحسب الباحث سليم مطر وآخرين فأن العراقيين النبط، وكانوا بالملايين، لم يجيدوا النطق بالعربية على مدى مئتي سنة ما بعد الفتح الإسلامي.
ـ تاريخياً، وبعد اندحار الدولة الساسانية على يد طلائع العرب المسلمين، وإيران في وقتها صاحبة حضارة، والعرب مجرد أصحاب قرآن. ساهم الإيرانيون بشكل فاعل بما يسمى النهضة والحضارة الإسلامية، وأغلب مفكري الإسلام من سنة وشيعة في تلك الفترة، هم من القومية الفارسية، حتى علماء اللغة والشعر والأدب كما هو معروف وشائع. وظلت مساهمة الفرس والإيرانيين بصورة عامة، ذات بعد جوهري في الثقافة الإسلامية حتى عصر ملا صدرا الشيرازي، المعاصر لنيتشه، الذي يرى الباحث والمفكر الراحل هادي العلوي أنه آخر فيلسوف مسلم فعلي.
ـ بغداد، في المدونات الإسلامية المبكرة، هي قرية باسم فارسي؛ بستان داد، كما في قولنا "بغ وحش"، أي حديقة الحيوان. أنا شخصياً أتمنى ان تكون التسمية ذات أصل رافديني وليس فارسي، ولكن هذا الموجود في المصادر الإسلامية حتى الآن.
ـ الوجود الفارسي ظل قوياً منذ ولادة بغداد العباسية، وحتى مطلع القرن العشرين. حيث كان المطبخ الفارسي معروفاً لأهالي بغداد، كما يشرح عباس البغدادي في كتابه "بغداد في العشرينيات". وظلت منشآت مثل المدرسة الفارسية في شارع الرشيد وغيرها قائمة تلبي حاجات الجالية الفارسية في العراق، حتى صعود سلطة البعث، ثم بداية "تنظيف" العراق من الفرس.
ـ 17% من المسلمين حول العالم هم من الشيعة [حسب بعض الإحصائيات] وهي نسبة تشمل كل المنتسبين لمذهب من مذاهب الشيعة، والنسبة الكبيرة من الـ 17% تتركز في بلدين؛ إيران والعراق، وكلا الشيعة في البلدين على مذهب التشيع الاثني عشري. وهذا الظهير الثقافي لا يمكن تجاهله او افتراض انه غير مهم أو غير مؤثر، ولا يمكن للعاطفة القومية ان تمحوه مهما ارتفعت، كما أنه، من جانب آخر، ليس كافياً لتوحيد الشيعة في البلدين على محجّة واحدة. بالإجمال ليس هناك عامل ثقافي أو هوياتي واحد يحسم كل شيء.
ـ تاريخياً، وحسب القراءة العلمية، التشيّع الاثني عشري ليس فارسياً، كما أنه ليس عراقياً صرفاً، كما يحب أن يفسّر بعض العراقويين، إنه منتج ثقافي ساهمت فيه شعوب عربية وإسلامية عديدة، وكانت الطبعة الأخيرة من التشيّع، حسب كولن تيرنر، على يد العلامة المجلسي. وهو ما يعني تصدر الإيرانيين للمشهد الشيعي، وحتى زماننا هذا، سنجد أن أكثر الأطروحات إثارة ونمواً في الساحة الشيعية تأتي من إيران، ولهذا أسباب وعوامل حضارية وسياسية.
ـ للأسباب أعلاه، فإن النظرة القومية الفارسية للعراق سترى إليه جزءاً من التاريخ الإمبراطوري للفرس، وهذا لا يلزمنا بشيء، كما أن النظرة العراقية ستعطينا الحق بنسبة الحضارة الساسانية الى العراق وان الساسانيين كانوا أصلاً عيالاً على الحضارة الرافدينية، حتى في اكتساب الحروف المسمارية ونسخ الآلهة، حتى المانوية الفارسية هي أصلاً ديانة عراقية ميسانية، حسب أمين معلوف، وحتى زرادشت النبي الفارسي الأشهر رجل كردي جاء من كردستان العراق، كما يحب ان يفسر بعض الباحثين الكرد.
بإمكاننا، بتنشيط التأويل، أن نأكل الفرس ونبلعهم، ونجعلهم جزءاً منا، ولكن هذا أيضاً، لا يلزم الإيرانيين بشيء..!
ـ لا يمكن "شفط" الفرس والفارسية من وجودنا اليوم، سيبويه سيقف في وجهنا، والمتصوفة والشعراء والموسيقيون وفنانو المنمنمات الإسلامية، وكتب الفقه والفلسفة. النظرة العنصرية ضد الفرس، قبل أن تكون ضد الفرس هي نظرة عنصرية. وليس هناك شيء جيد في النظرة العنصرية.
ـ إيران اليوم بلد يعاني من مشاكل عديدة، داخلية وخارجية، ولكنه ما زال قوياً كي يؤثر في المنطقة، وفي العراق بالذات، ولا يبدو أن العراق يمكن أن يستقر بدون علاقة سلام مع إيران، والبلدان متداخلان فعلاً، ويمكن أن يكون هذا التداخل مفيداً للعراق كما هو مفيد لإيران، ولكن ليس على وفق صيغة النفوذ والهيمنة والسيطرة والإملاء، لأن هذه مصيرها سيء دائماً. وإذا كان هناك قبول من الطبقة السياسية العراقية "الشيعية" للنفوذ الإيراني اليوم، فإن هذا أمر من المستحيل أن يستمر بالصيغة التي عليها، فإيران تاريخياً هي ضيفة أو جزء من التركيبة العراقية، ولم تكن حاكماً إلا في فترات محدودة. ومع تخميني الخاص بأن الفترة القادمة ستشهد نفوذاً أكثر لإيران داخل العراق، فأنني مؤمن أن النخب الشيعية نفسها ستعيد قراءة هذا النفوذ وتحاكمه، على وفق المصلحة الوطنية، من دون أن يعني ذلك شن حروب قومية جديدة.
ـ العراق اليوم بلد عربي، وثقافته عربية، [إن أخذنا كلام النخب الكردية على محمل الجد بأنهم ليسوا عراقيين وتم إدماج أرضهم بالعراق عنوة حسب سايكس بيكو]. ولكن العربية هنا ليست موقفاً قومياً، بقدر ما هي حامل ثقافي. كما إن العراق العربي هو عراق عربي متنوع، ومتميز ثقافياً، بسبب التشيع، وبسبب مدارس الصوفية السنية، وتاريخ الحنفية التي انبثقت من العراق أصلاً. حتى عرقياً فان العراق هو وعاء لخليط من دي أن أي آسيوي ومتوسطي، حتى إني قرأت، ذات مرة، عن عراقي قدم، خلال أحداث العنف الطائفي، طلب لجوء الى السفارة الصينية باعتبار أن أجداده من المغول.
التنوع الذي يعبر عن نفسه داخل الثقافة العربية، هو مصدر قوة العراق. وهو ما سينتصر على الأحاديات، أياً كانت، إن وعينا أهميته.
أرحب بإيران والفارسية كجزء من كيان الحضارة والثقافة التي انتسب إليها، ولكني عراقي وأرفض التصريحات السياسية العنصرية، أو التي تسلب سيادة بلدي.
الصورة: منمنمة فارسية قديمة، تُظهر نبي الاسلام يكلّم عليّاً قبل بدء المعركة، وبينهما في العمق جبرائيل الملاك.

شوهد المقال 918 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك