حارث حسن - الجهاد الحديث التوسعي " انتقال الفكرة "
بواسطة 2015-03-08 02:04:46

د.حارث حسن
يركز الجهاديون في أحاديثهم وكتاباتهم كثيرا على فكرة الجهاد بوصفه الفريضة الغائبة ، وبعضهم يعتقد انها كانت فريضة مغيبة او معطلة لغياب الخليفة الجامع للشرائط ، ومع اعلان البغدادي خليفة لهم ، يعتقد كثير منهم ان الجهاد اصبح الان واجب وان دولة الخلافة هي دولة جهاد دائم ، وعلى الخليفة ان يجهز جيشا غازيا على الأقل مرة واحدة في العام .
هنا احدى مفارقات التفسير الحرفي للنصوص ومحاولة احياء السنن الاسلامية المبكرة في عهد الرسول ، وتطبيقها في زمن مختلف تماماً . انا اعتقد ان فكرة " الجهاد" مفهومة في سياقها الذي خرجت فيه ( القرن السابع الميلادي) لان معظم الدول التي وجدت حينذاك كانت تسعى الى التوسع ، خصوصا ان كانت تمتلك ايديولوجيا ( رسالة) ذات بعد غير محلي . التوسع حينذاك كان هدفه السيطرة على مزيد من الاراضي الزراعية ، والوصول الى طرق التجارة والممرات البحرية المهمة ، تلك كانت ضرورات قيام دولة بطابع إمبراطوري وقادرة على تمويل نفسها من ريوع الارض وأنواع الضرائب التي يمكن تحصيلها.
لكن داعش حينما تسعى لاحياء مفهوم التوسع ، بمعناه العسكري البحت ، تصطدم ليس فقط بعوائق فعلية تتعلق بالتركيبة الثقافية التي تحيط الأقاليم التي تسيطر عليها ، بل وايضاً بحقيقة ان جدوى امتلاك الارض لم تعد نفسها ، فلا الاراضي الزراعية -المحدودة أصلا في هذا الجزء من العالم - توفر الريوع اللازمة لبناء دولة ، ولا بلوغ الممرات التجارية المهمة هو بذات الفائدة في عصر الطيران والإبحار عبر المحيطات والاقتصاد الرمزي والمابعد-صناعي. " الجهاد " لم يكن مجرد عقيدة ، بل كان تعبيرا عن منطق واحتياجات الدولة ذات المشروع الايديولوجي " الرسالي".
عاجلا او اجلا ستكتشف داعش عقم نتائج تطبيق فريضة الجهاد بمعناه الحرفي ، اي الجهاد العسكري ، لكن على الآخرين الذين يواجهون داعش ان يفهموا ايضا ان التركيز على وقف توسعها بمعناه الجغرافي ليس كافيا ، فالتوسع الاخطر هو ذلك الذي يقوم على انتقال الفكرة لا الأشخاص ، خصوصا مع زيادة البيئات التي تمثل فضاءا رحبا كي تزدهر تلك " الفكرة".
لهزيمة داعش بالمعنى الاستراتيجي ، وانا هنا لا اتحدث عن العراق او سوريا فقط ، يجب ان لا يتم التركيز- حصرا- على الأماكن التي تسيطر عليها فعليا ، بل وايضاً الأماكن التي يحتمل للفكرة ان تعود الى الظهور فيها.
شوهد المقال 811 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك