مولود مدي ـ تبرعات الجزائريين : ضعف لتجذر الدولة داخل المجتمع
بواسطة 2021-08-05 03:20:23

مولود مدي
التبرعات التي يسارع الجزائريين الى جمعها وتنظيمها لفائدة المستشفيات تعبر عن حس لا مثيل له بالفعل الخيري لدى الجزائري وهذا الفعل من جهة أخرى قال عنه علماء الإجتماع والانثروبولوجيا، أنه يخلق الرابط الاجتماعي بين الأفراد le don est créateur de lien social ومصدر انتماء مشترك يتجاوز هوية الأشخاص الذين يتبادلون فيما بينهم تلك الهبات والتبرعات.
الهبة موضوع حاز على اهتمام الانثروبولوجيين أشهرهم Marcel Mauss، ميّز الانثروبولوجي Karl Polanyi ثلاث ميكانيزمات اجتماعية تخلق شبكة من العلاقة تربط الأفراد ببعضهم البعض: اعادة التوزيع la redistribution أين سلطة تمركز كل شيء بين يديها ( سلع، خدمات..) ثم تستكلف بإعادة توزيعه، على التشكيلة الاجتماعية وفق اهداف سياسية واجتماعية وكذلك وفق علاقتها مع مختلف اطراف تلك التشكيلة. كذلك السوق le marché الذي يخلق شكلاً من العلاقة بطريقة لا ارادية ودون ان يعترف الأفراد بوجودها، مبنية على الاعتماد المتبادل بين الأفراد interdépendance، المُنتج في مستغانم مثلا يحتاج الى المواد الاولية الموجودة في عنابة والى المستهلك الموجود في بجاية وهذا يؤدي في الاخير الى نسج رابط اجتماعي بين هؤلاء، وأخيرا ما يسمى ب التبادلية la réciprocité أين منطق التبرع le don يدخل فيه، هذا العامل الأخير مختلف عن السوق، في حالة التبرع، يتم نسج علاقة تهدف إلى خلق ترابط وانتماء مشترك، وهو بإرادة واختيار أطراف المعنيين بعملية التبرع دون ان ينتظروا المقابل عن ما تبرعوا به، عكس حالة السوق، الذي يخلق اعتماد متبادل فرضته الحاجة الى التبادل السلعي بين الأطراف.
تقديم تبرع لمستشفى او مسجد او دار أيتام او غيره، سواء بطريقة سرية او علنية، يعني بشكل منهجي وجود وعي عند المتبرع بالانتماء إلى جماعة من الأفراد مرتبطين ببعضهم البعض، ولا تظهر اعمال التبرّع هنا وهناك سوى اصرار اصحابها ومن ينظم تلك العمليات على أن يكونوا جزءًا من الجماعة الاجتماعية التي يعيشون بينها. Le don يسمح للأفراد بالحفاظ على الروابط التي توحدهم بالمجتمع. ما يحصل حاليا هو بشكل من الأشكال اعادة لترميم الرابط الاجتماعي الذي عملت السلطة على تحطيمه بشكل ممنهج في العامين الأخيرين.
التبرعات وجمع الأموال لفائدة المستشفيات وكل عمل خيري يهدف الى المساهمة في تخفيف وطأة وباء الكورونا ، ليس اعفاء للحكومة من مسؤوليتها كما يحكم عليه البعض، بل هو يعبر عن عدم قدرتها على التصرف، وبروز علامات كبيرة على ضعف تجذر الدولة داخل المجتمع، والكثير يتساءل: ما فائدة دولة غير قادرة على مواجهة وباء يفتك بمواطنيها؟.
شوهد المقال 649 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك