طيبي غماري ـ الذاكرة والتاريخ ..والسيدة التي ساعدتنا في مركز ارشيف ماوراء البحار بفرنسا
بواسطة 2020-07-04 01:48:12

د. طيبي غماري
بمناسبة النقاش حول الذاكرة والتاريخ والأرشيف ومراكزه، ساقص عليكم هذه القصة التي أتذكرها دائما وارغب في روايتها كلما أتيحت لي الفرصة.
في مركز أرشيف ما وراء البحار باكس اون بروفونس هناك قانون شفاف وواضح. هناك وثائق يمكن الاطلاع عليها بمجرد طلبها وهناك وثائق تحتاج إلى موافقة من الادارة المركزية، علما ان طلب الموافقة إجراء إداري وعادة ما يحصل الباحث على الموافقة بدون اي عناء. عندما تدخل للمركز يعطى لك ثلاثة أيام بالمجان حتى تتعود عل التنظيم وعلى القوانين، بعدها يمكنك الاختيار بين اشتراك لشهر واحد بخمسة أورو أو اشتراك لسنة بعشرة اورو. اما الطلبة سيحصلون على اشتراك مجاني بمجرد تقديم ما يثبت ذلك.
تقدمت لهذا المركز وكنت يومها طالبا. استقبلتنا المكلفة بالاشتراكات سيدة لم يكن يفصلها عن التقاعد الشيء الكثير. استقبلنا ببشاشة، وزاد انشراحها لما علمت اننا من الجزائر. اعطتنا الاستمارات لملئها وراحت تشرح لنا القوانين. سلمناها الاستمارات بعد ملئها راقبتها ثم قالت لي هل انت طالب؟ قلت لها نعم. قالت لي هل تعلم انه يمكنك الحصول على اشتراك مجاني اذا كان لديك ما يثبت ذلك. قلت لها الأمر غير مهم وانا ساشترك لمدة شهر واحد خاصة وأن المبلغ زهيد وزرمزي. قالت لي أمامك ثلاثة أيام اتصل بجامعتك أو بمشرفك وقل لهم يرسلوا لك أية وثيقة تشير إلى انك طالب.
لم أهتم للامر كثيرا، وقررت في قرارة نفسي أن أدفع اشتراك شهر. في نهاية اليوم الأول دعتني السيدة إلى مكتبها وسألتني عما إذا اتصلت بالجامعة والمشرف تحججت لها بانهم في عطلة ولا يمكنهم مساعدتي. عاودت معي نفس السؤال في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث وكان نفس الرد مني. وعندما هممت بان اعطيها الخمسة أورو قالت لي اسمع يا سيد طيبي انا متأكدة من انك طالب واريد مساعدتك ولذلك ساخذ الأمر على عاتقي وساشهد بانك طالب، لكن بالنسبة لأصدقائك يحب أن تشهد انت بانهم طلبة حتى اساعدهم. قلت لها أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء. قالت لي بل يستحق انت اشهد فقط. قلت لها نعم انهم طلبة وانا مستعد للشهادة على ذلك. وسجلت الشهادة على استماراتهم بينما سجلت هي شهادتها على استمارتي واعطتنا بطاقات اشتراك مجاني لمدة عشر سنوات، وأصبحت اتجول في المركز كما لو انه كان ملكا لي بحرية مطلقة في إطار ما يسمح به القانون طبعا، اما التسهيلات فحدث ولا حرج. تعرفت على السيدة خلال مكوثي في المركز وعرفت انها من الالزاس وأنها يسارية ومصابة بسرطان. سألتها في أحد الأيام لماذا فعلتي معنا هذا المعروف. قالت لي لدي اصدقاء من الجزائر وانا اعرف من خلالهم الوضع هناك وانا افضل أن تصرف العشرة أورو على أبنائك افضل من أن تعطيها لفرنسا. عند انتهاء فترة تواجدي بالمركز أحضرت لي صندوقا مليئا بالادوية لعلاج السرطان وطلبت مني ان اخذ الادوية واعطيها لمن يحتاجها في الجزائر. اخذت تلك الأدوية ونفذت وصيتها كما قالت وبقيت على اتصال بها لمدة طويلة حتى بلغني من صديق انها توفت اطلب من الله أن يرحمها في عليائه انه على كل شيء قدير.
شوهد المقال 439 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك