عبد الباقي صلاي ـ للاستطاعة ... حدود !

عبد الباقي صلاي
في تجربة أجرتها نخبة من العلماء الباحثين حول قدرة النملة التي ضحك سيدنا سليمان عليه السلام لجرأتها، وصبرها ،وحرصها الشديد على العائلة النملية،وقوة عزيمتها ومدى استطاعتها،وقوتها الهائلة في الاستمرار في العمل وطرد اليأس والقنوط من ساحتها.والظن الأكبر ألا أحد يجهل أن النملة هي مثال المثابرة في عالم الحشرات،والحيوانات،ومثال الصبر والاجتهاد في عالم المسلمين وحتى غير المسلمين.
فحوى هذه التجربة تتمثل في وضع نملة في قارورة،وتتبعها ورصد كل حركة تقوم بها،في المرة الأولى وجدوا أن نفس هذه النملة ما أن يتم إدخالها في القارورة حتى تمكث إلا برهة قصيرة ثم تخرج بسرعة فائقة،وبعفوية كبيرة والسبب وحيد نظنه أن النملة كسائر الخلق من البشر وغير البشر تعشق الحرية،وترفض الاستعباد والسجن،ولا تعشق إلا العيش خارج أي حاجز.وقد تكررت عملية إدخالها داخل القارورة حتى وصل تكرار العملية إلى العدد 273 مرة.في المرة الأخيرة من العملية بعد عدد محاولات إدخالها القارورة، وجد العلماء أن النملة وصلت إلى حالة تعب شديد،وتقاعست ولم تعد تستطيع أن تحرك ساكنا،بل استسلمت للأمر الواقع الذي فرض عليها،وهي أنها مهما حاولت الخروج والبحث عن الحرية،إلا أن الأمر كان فوق طاقتها،وفوق قدرتها واستطاعتها.
وهنا تأكد العلماء بعد تجربة النملة والقارورة أن الاستطاعة مهما كانت لا بد لها من نهاية،ولا بد لها من حدود ولا بد لها من سقف تصل عنده وحد تنتهي إليه.فماذا يمكن استنتاجه من هذه التجربة وماذا بإمكاننا قوله في الذي حدث لهذه النملة المكافحة ؟.
الغالب في الأمر أن العلماء الذين قاموا بهذا الاكتشاف العلمي الخاص عن حشرة تمتاز بالحيوية،ورفض الخنوع أو الخضوع،ولا تعرف أبدا الاستسلام والتبعية،قاموا بهذا الاكتشاف لجعله أنموذجا حيا تكون له فيما بعد إسقاطات على كل ما يدب في الأرض.وتحديدا الإنسان صانع التاريخ والحضارات.
وأهم ما تحتويه هذه التجربة من مغزى حقيقي،أن الاستطاعة لا بد لها من توقف في يوم من الأيام،والمجتهد وصاحب الإرادة القوية،ومن يمتلك صبر أيوب فحتما سوف يصاب بالخيبة،ويخضع لأمر واقع،ويستسلم لما فرض عليه.
صحيح أن التجربة التي قام بها علماء روس حول النملة،واختاروا النملة لأنها تمثل لدى المجتمع الإنساني القدرة ،والاستطاعة،وتعبر عن المجتمع الذي لا يكل ولا يمل،ولا يعرف الاستسلام و الخوف.قد لا تعبر عن حقيقة الإنسان الذي قد يكون له من الاستطاعة أكبر مما تعرفه النملة.لأن الإنسان أولا يمتاز بالعقل،وثانيا يمتاز بالإدراك الذي يعرف به فقط الإنسان،وهذا الإدراك هو الذي يجعل الإنسان يتوازن مع المصائب والشدائد،ويحسن التدبير،ويعرف متى يصبر ومتى لا يصبر.
النملة التي استسلمت في نهاية المطاف،استسلمت لأنها لم تجد مسلكا تسلكه غير الذي سلكته،ولم تجد مخرجا تخرج منه سوى أنها تبقى في القارورة بعد أن استنفدت طاقتها في الخروج منها المرة تلو الأخرى.
الاستطاعة فعليا لها حدود ولها منتهى تنتهي عندها كل قدرة مهما كانت هذه القدرة،ومهما وصفت بأوصاف كثيرة.لأن التعب دائما ينال من الشخص الذي وإن أوتي من الصبر صبر أيوب إلا أنه في آخر المطاف يركن لما تفرضه الطبيعة البشرية وهي الاستسلام والتسليم بأمر الواقع،والرضا بما هو مفروض عليه.
لكن هناك من ينظر إلى الأمر من وجهة مختلفة ولو كانت مغايرة تماما لما نعلمه ونألفه في آن معا،كون الاستطاعة قد تكون متاحة في حال مواقف معينة،كما تدل دراسة نشرها موقع cnn الأمريكي حيث حسب الموقع :"على عكس ما يعتقده كثيرون، أظهرت دراسة حديثة أجريت بجامعة "كيل" البريطانية، أن الإنسان عندما يقوم بتوجيه السباب والشتائم، فإن ذلك يخفف من حيث لا يدري من آثار الآلام والأوجاع البدنية التي تصيبه، لا تلك النفسية فقط.وكشفت الدراسة أن الشتائم تعطي الإنسان قدرة أكبر على تحمل الألم، بل وتخفف من وطأته عليهم، وهو الأمر الذي أثار حيرة العلماء نظراً لعجزهم عن تفسيره.وذكر رئيس فريق البحث الذي أجرى الدراسة، "ريتشارد ستيفنز"، أن مصدر إلهام الدراسة كان عندما شعر بالألم الشديد عندما ضرب أصبعه بمطرقة عن طريق الخطأ، أثناء إصلاحه لنافذته، مما دعاه لأن يشتم بقسوة، وهو الأمر الذي خفف من أوجاعه.وبيّن ستيفنز أنه "رغم أن الشتائم لها وقع سيء اجتماعياً، ويُنظر لها على أنها فعل مشين، إلا أن لها جانبها المشرق، وهو المتمثل بأنها قادرة على مساعدتنا على تنظيم أحاسيسنا، وهو تأثير مفيد بالفعل."
من جهتها أشارت العالمة النفسية الأمريكية "بولا بلوم"، إلى أن تجربتها دلت على صحة ما ورد في الدراسة، وخصوصاً عندما يقع الناس في مواقف صعبة مثل السقوط في حادث، أو الإصابة بجروح.
وذكرت "بلوم" أن هذه الدراسة قد تغير النظرة الاجتماعية إلى الشتائم، قائلة: "هذه الدراسة تزيل الحاجز الأخلاقي الموضوع حول استخدامنا للغة، فنحن نحكم على الأشياء والتصرفات بشكل متسرع، وهو ما قد يتعارض مع نتائج الأبحاث العلمية، فنحن نعتقد أن الشتم أمر سيء، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك."
قد تكون الدراسة مغايرة تماما لما ذكرناه في مستهل التجربة التي أجريت على النملة،لكن تصب في ذات المصب الذي نحن بصدد الحديث عنه وهي الاستطاعة،والقدرة على التحمل.وتحمل المشقة ربما للحظات أو لأيام ليس معناه أن الاستطاعة التي نقصدها لا حد لها،لأن الإنسان أصله يعيش الحياة النسبية وليس الحياة المطلقة.
شوهد المقال 527 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك