مرزاق سعيدي ـ فرادة البدويين.. العاصميون و(le mechoui d’abord)!
بواسطة 2020-03-12 00:03:55

مرزاق سعيدي
يتفرد أبناء البادية في تحضير أطباق بسيطة وشهية، "شواءهم" صحي يحترم الريجيم، عكس أبناء المدينة الذين يتساقطون على كلّ ما يرفعُ منسوب الكوليستيرول، ويُنمّي التخمة.
أقول هذا وفي ذهني صورة لن تنمحي من مخيلتي، التي اختزنتها من "خرجاتي" نحو الجنوب، مثل الشعيبات، بطريق بسكرة، التي تستوقفك فيها ظاهرة خاصة، تنبهك الى فروق من نوع خاص، هي التي تحولت إلى محطة تبضع خاص باللحوم الحمراء (خروف وماعز).
في هذا المكان يتعرى "المديني" (ما بعد زحف الريف) ويظهر البدوي بوضوح، في عرف أهل الصحراء، من أول كلمة يتلفظها وهو يتحدث مع بائع اللحوم الطازجة، العضلات فيها ترتعد، نظرا لحداثة ذبح "الفريسة"، مثلما يقول العاصميون (الذين يختصرون 48 ولاية اليوم، وليس العاصميين طبعة "الشعبي")، الضالعون في التسميات، والحالمون بـ"الشواء" في الطبيعة، وهم يتحدثون عن "البوزلوف" الغني بمحفزات صعُود الكوليستيرول، بينما الشواء بالنسبة للمختصين فيه من ابناء البادية يبدأ بعضلات الكتف والأفخاذ وينتهي بلحم "الفرايش"، وهو لحم طري يتفوق على طراوة لحم الرقبة، الذين يعشقه المهتمون بالأكلات التقليدية التي تتطلب بعضا من اللحم، قليل الدهون، كثير المتعة والتمتع بالمذاق الذي يقف احتراما لعدد كبير من البهارات المستخدمة في الطهو، خصوصا في الهضاب العليا في الجهة الغربية من البلاد، حيث "الوعدات" و"المشوي أولا" (le mechoui d’abord) تتناثر على الجغرافيا من تيارت الى بشار، ومن اللحم المفور على الطريقة التركية بتلمسان الى زردات بقايا البدو الرحل شمال أدرار..
من سيقرأون هذه الكلمات العابرة، سيقولون ماذا عن "فضل بسكرة" و"أفضال الجلفة" و"باع المسيلة" و"حظوة برج بوعريريج" وكل هؤلاء يشتركون في توزيع البروتينات بطريقة مهوية في الأطباق التي يقترحونها عليك، محمولة على كم متوازن من البهارات التي تغريك على أكل المزيد، لكنها تنظم الجهاز الهضمي، و"تحرق" في طريق العملية الهضمية، ما يزيد من الدهون، عن الحاجة البيولوجية، عن طريق تحفيز الإفرازات الى مداها الأقصى، مثلما تشير له دراسات حديثة.
"لمأخذ" الوحيد، بنظر منيخافون السمنة، على صحون أهل الحضنة متى أكرموك في البيت هي الدهون التي يضيفونها (السمن) حتى يصير مذاق الطبق حلوا، يرسلك الى حدود التخمة، التي يزيلونها عنك بكؤوس شاي من الدرجة الثالثة، على طريقة الصحراويين، في مسح "آثار" الشطط في العناصر المؤدية الى الكوليستيرول، بحركة آلية في بقراج الشاي صعودا ونزولا، حتى تثور ذرات الهواء مخلوطة مع السكر، وتنتج رغوة كثيفة، لا تضاهيها رغوة كابوتشينو، ولو بمساعدة في مونتاج الإشهار!
في الشرق الجزائري غالبا ما يكون اللحم، المختار بعناية مرفوقا بـ"حميس"، قاتل للتخمة، وطارد للغازات، ومساعد على تفكيك ما قد يراه فرنسيا محموما بوصفات "كوردون بلو" ضرب للريجيم، واغتيال للصحة البيولوجية!
خارج السرب:
البديون لا يستهلكون أحشاء الحيوان المذبوح، (les abats) ولذلك لا تجد هذه الأحشاء معروضة للبيع في المناطق البدوية والصحراوية، وإن وجدتها فاعلم أن البائع ليس ابن المنطقة او انه "تاجر"، في عرف التقاليد، لا يهمه من تكون، ولا يعير اعتبارا لما درج عليه الناس منذ قرون، مثلما يحدث في الشعيبة التي زحف نحوها عدد من أبناء الشمال يسترزقون منها، بأسلوب "الجزار".. وهم من اخترعوا بيع الغرنوق بالكبدة محشيا في الكرشة بـ600 دينار، ثم بـ2400، ثم بأكثر من 3000 دينار، والسبب "شوايات درارية وأخواتها بالعاصمة، التي يزدهر فيها شواء "الأحشاء" بنظر أهل البادية، الذين لا يأكلونها، في وقت تتراقص أعين "المدينين" وهم يسمعون "أيا كبدة، كبدة.. مشوية" !!

شوهد المقال 441 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك