يسرا محمد سلامة ـ الستر والتكنولوچيا الحديثة
بواسطة 2019-02-26 21:57:27

د. يسرا محمد سلامة
يعيش عالمنا المعاصر في أزمة حقيقية هذه الأيام تُسمى ثورة التكنولوچيا؛ نتيجة الاستخدام الخاطئ لتلك التكنولوچيا ووسائل الرفاهية التي تتبعها، هواتف ذكية، وكاميرات عالية الدقة، وهي أمور مُستحدثة لم تعرفها الأجيال السابقة، لذا لم يكن هناك ما يُثار من أزمات خطيرة بسبب هذه المُستحدثات.
فنحن اليوم على سبيل المثال، أصبحنا نواجه خطر تسجيل ڨيديو لشخصٍ ما، دون أنْ يدري، وهو يقوم بأمر لا يريد لغيره أنْ يعرفه، فيُفاجأ بأنّ أكبر قدر من الناس يعرفوه، بمجرد ضغطة بسيطة على زر التشغيل في كاميرا الهاتف الذكي، ومن بعده ضغطة أخرى لزر إرسال على الانترنت، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصة يوتيوب، يُصبح هذا الشخص في خطرٍ كبير، قد يوقعه تحت طائلة المساءلة القانونية، أو تُوجه إليه تُهمة هبطت عليه من السماء؛ بسبب شخص مَوتور، يهوى التلصص على غيره، فيقوم بفضحهم وهو بذلك يغيب عنه مفهوم الستر، الذي أمرنا المولى عزّ وجل به، وقد أتى من اسمه "الستّار".
عندما ذكرت لفظة "التلصص"، كنت أقصدها تمامًا؛ لأنّ من يقوم بمثل هذا الفعل الفاضح، أقل وصف له أنه "لص" يسرق من غيره لحظات هو غير مُرحب بتواجده فيها، ولم يُشركه صاحب الفعل الذي تلصص لكي يُصوّره معه في هذا العمل، كما لم يأذن له بتصويره ونشره بهذا الشكل المُشين، ولا أدري حقًا أين المُتعة في هذا، أو ما الذي استفاده من يقوم بمثل هذا الأمر، غير أنه قد ألحق كارثة بصاحب الڨيديو سواء كانت أخلاقية أم مادية سيُحاسب عنها حتمًا، وسيدفع ثمنها لشهور عديدة؛ لأنّ الڨيديو المُسجل سيظل عالقًا على الانترنت لن يختفي بين ليلة وضُحاها.
الستر في معناه العام، لا علاقة له بكلمة "فضيحة"، حتى وإنْ رأيت عيبًا، أو فعلاً بذيئًا، أو تصرفًا غير أخلاقي، حتى وإن كان مشهدًا ضاحكًا – من وجهة نظرك؛ لأنه قد يكون مشهدًا مُحرجًا لصاحبه – هذا لا يُعطيك الحق باستخدام التكنولوچيا التي في يدك، لتضر بها غيرك، فقد نهانا ديننا الحنيف عن مثل هذه التصرفات، عندما قال رسولنا الكريم "صلّ الله عليه وسلم" في نهاية حديث شريف (ومن ستر مُسلمًا، ستره الله يوم القيامة)، وقد بدأ حديثه الشريف عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله (المسلم أخو المسلم)، فأين تلك الأخوة مع مثل هذه الأفعال؟!، كما أنّ هناك حديثٌ آخر يقول "لا ضرر، ولا ضرار"، ومن سبقونا قالوا، "أنت حر طالما لا تضر، فحريتك تقف عند حدود حرية الآخرين".
وأخيرًا، إذا رأيت مُنكرًا، ولم تستطع تغييره بالشكل الصحيح، الذي أمرنا به المولى عزّ وجل، لا تجعل من نفسك قاضيًا لصاحب العورة في الدنيا، بل دعه لربه، هو عليه حسابه إن شاء، فأنت لا تدري ما الذي دفعه للقيام بهذا الأمر – حتى وإن كان غير صائبًا – حاول أنْ تتعامل بمقولة "دع الخلق للخالق" ففي هذه الجملة راحتك وتخليصك من ذنبٍ ستضع نفسك فيه لا محالة، إذا سوّلت إليك نفسك عمله، كما أنك ستحمل في رقبتك ذنب هذا الشخص الذي "استسهلت" تصويره بهاتفك وهو لا يعلم أنّ هناك طعنة ستنفذ إلى قلبه، تودي بحياته.
كلنا نتلمس رضا الرحمن عنّا، فمن منّا بلا خطيئة أو معصية، وعلى الباغي تدور الدوائر، فإن كنت أنت من تُصوّر اليوم، سيأتي من يفعلها بك غدًا، ارتقوا يرحمكم الله برحمته.
شوهد المقال 508 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك