جيهان محمد أبواليزيد ـ حسب التوقيت السنوى للعلاقات

د.جيهان محمد أبواليزيد
حينما تهل نهايات ديسمبر تبدأ غالبية العلاقات الاجتماعية والإنسانية على وسائل التواصل الاجتماعى في معاتبة بعضها البعض ومعاتبة السنوات تارة وسبها تارة أخرى. وكأن هذا الفضاء الأزرق يعيش به شعب مسالم مظلوم مخدوع ومحسود، ينشر على صفحاته جُمل وأغنيات من عينات ( لقد خذلنى الجميع في هذا العام) (لن أسامح من ظلمنى) (2019 أدخلى برجلك اليمين) (ملعون أبو الناس العزاز) وكأنه التوقيت السنوى لصكوك العتاب والغفران.
أليس هناك من يمتلك الشجاعة ليعترف ويقول لقد كنت أنانى أو خائن أو وظالم لغيرى أو لنفسى ؟ هل كل من يبكى على أطلال الصداقة والأبوة والأمومة والأخوة وكافة العلاقات لم يكن في وقت ما متعصبا ومتخاذل وكسول وأكثر من ذلك ؟ فهل الجميع يستحق الوقوف على منصة التتويج كأفضل صديق وأخ وأب وأم وزوج وزوجة في هذا العام ؟!
إن خرج البعض من دائرة صداقتنا ربما كنا مقصرين في حقوقهم أو قصروا لمشاغلهم، ولعلنا خذلناهم كما نتوهم أنهم خذلونا، وربما انتهت مدة خدمتنا معا فكافئ الله الطرفين وصرف عن الجميع شر ما قضى. ربما عق البعض أبناءه باختياره الخاطئ لوالدتهم فعقوه لتطبعهم بطباعها ، أو كان بعضهم مثاليا إلى حد كبير فلم يتفهم قدرات الأخرين، أو رأى العالم من ثقب الاحتياج المالى فقط فاقتصر دوره على التمويل ، أو كان أناني أحب نفسه أكثر من اللازم. وربما كان العقوق دين لسلف سابق. ولعل منا زوجة مثالية تهاونت في حق نفسها فلم يقدرها أبنائها وزوجها، أو تفشى أسراره بدعوة الفضفضة ثم تشكو العطاء بلا مقابل. وربما اكتفى البعض بحواريه ولم يصل رحمه ويلوم الزمان على العضد والسند.
ما بال الأعوام نحملها قضاء الله وأخطاء تصرفاتنا ، الجميع غارق في نعم الله وكاتبة هذه السطور أولكم .. أغرقنى الله بكرمه طول 44 عاما فأنهض من فراشى أسير على قدمى وأسمع نبض قلبى قبل صوت أبواق السيارات وأرى موطئ قدمى، أقضى حاجتى بدون ألم أو مساعدة الأجهزة، أتواصل صوتا وليس بلغة إشارة، يكتنفنى حب أهلى ومودة أصدقائي، فأشكر الله على ما منحنى إياه واصبر على ما لم يعطيه لى لحكمته .
كل شيئ في الحياة وله ضريبة فكفتى الميزان أحداهما للنعمة والأخرى للنقمة سواء لذنب أو لاختبار صبر، فهل نعتبر ما يصيبنا نقيصة إن لم يكن على هوانا، آلفنا النعمة حتى تعودنا عليها ونطلب المزيد بل نتجرأ على محاسبة الواهب على هبته، ونشهق ونردد" لماذ نحن من بين البشر يا الله"
كلنا يصيبنا ما نعتبره خسائر فلو أغلق الله بابا بحكمته فتح غيره برحمته. إن ضم الثرى خلال العام الماضى أحباء لنا فلا زال تحت الثريا من وهبهم لنا في نفس العام . كل يوم نعيشه منحة من الله، كل عام يهل علينا ينقص من أعمارنا فما ضرورة ضياعها في عتاب الأيام والبشر وسب الدهر ، فلو يستطيع الدهر الرد علينا لفرض على أفعالنا قانون الطوارئ حتى الممات لما يراه منا.
لما خفقات اللوم والعتاب لا تنبض إلا على الفيس بوك وتويتر وغيرهما، لما لا نجرب خفقات اللسان في عتاب من تربطنا بهم علاقات إنسانية واجتماعية ..ويبقى الاحترام؟ لما لا نخسر موقف ونكسب صديق ، لما نلوم غيرنا عبر الفضاء الأزرق ولا نحاسب أنفسنا بهدوء في ظل ضجيج صمتنا، ونستقبل عام جديد بصفحة بيضاء من أراد البقاء بها يستحق الود ومن أراد الرحيل فلا لوم ولا عتاب، لما لا نتوقف عن عتاب البشر وسب السنين ولوم الدهر ونحمد لله على نعمه التي تغرقنا ونستغفره على لحظات ضعف نفوسنا التي تجعلنا لا نرى إلا ما نقص منا.
شوهد المقال 1543 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك