حميد زناز - لماذا أفضل العيش في دولة علمانية؟
بواسطة 2015-06-14 23:36:04

د.حميد زناز
يعيش بيننا من يحاول فرض دولة دينية. بل من يريد العيش في الدولة المدنية و الدينية في نفس الوقت. في رسم هزلي، أضحكني ذات يوم عبّر رسام جزائري شاب عن هذا الوضع الغريب حينما جعل بطل رسمه يقول و هو في عرض البحر هاربا على ظهر قارب صغير نحو أوروبا: أعطي صوتي للدولة الدينية في الانتخابات.و لكنني أحب العيش في دولة:
هذا الارتباك هو نفسه الذي تعانيه الأنظمة العربية القائمة: فهي لا تستطيع تطبيق الشريعة كاملة و لا تستطيع تركها كاملة. رِجلٌ في الدولة الدينية و اخرى في الدولة المدنية.
و قد صوّت للإسلاميين في الجزائر و غيرها شبان و شابات لا علاقة لهم أصلا بالتدين و لا يرغبون أصلا في العيش في دولة يحكمها رجال دين!
و لكن لمن يعطي صوته كائنٌ بائس ثقافيا علمته العائلة ثم المدرسة و الإذاعات و التلفزيونات السلفية المحلية و الدولية وكل المحيط، أن الدولة الدينية هي المثلى و أن العدل لا وجود له سوى تحت حكم شيوخها؟ مع وجود أحزاب إسلامية و في هذه المرحلة بالذات المنعدمة فيها أبسط المؤسسات الديمقراطية الحديثة الضامنة للتعدد الفلسفي و الثقافي و السياسي، يصبح الحديث عن الديمقراطية و الانتخابات من باب العبث و الانتحار.
و لذلك فإذا لم تتجنّد القوى الحداثية و العقلانية في الميدان فإن الدولة الدينية آتية لا ريب فيها في الجزائر و غيرها، و قد تحقق الجزء الأكبر منها في أغلب بلداننا. و لو بنسب متفاوتة. نحن نعيش عموما في دول نصف دينية و في دول دينية حقيقية في بعض الأحيان.. و بدل الخوف من الدولة الدينية الزاحفة فمن الأولى أن نبدأ في رفض ما هو قائم منها بالفعل. و أن لا يلهينا ما هو آت عما أصبح عاديا لا يثير أدنى قلق. ينبغي إعادة النظر في التطبيع الثقافي المتعاظم مع الأصولية و مشروعها السياسي. و لا فرق بين شقها العنيف و شقها المدعي الاعتدال، فكل ما في الأمر أن هناك أصولية ثورية حركية وأصولية إصلاحية نظرية. تمثّل الأولى أقلية ككل الحركات الثورية، تريد دولة الشريعة حالا. والثانية إصلاحية تمثل الأغلبية، تهدف إلى إقامة الدولة الثيوقراطية بالتدرج وعن طريق انتخابات شعبوية ترفع فيها شعار " صوتكم أمانة تحاسبون عنه يوم القيامة"..
لكن هل من المعقول إن نسمح بإقامة انتخابات جوفاء تسمح للأصوليين بالاستحواذ على أغلبية دينية و تحويلها إلى أغلبية سياسية في غياب مؤسسات قوية تحمي كيان الدولة المدني؟
ليست الانتخابات كنه الديمقراطية كما يريد أن يوهمنا الإسلاميون و من يدور في فلكهم بل هي طريقة في اختيار من يدير البنيان الدولتي القائم سلفا ، و هو أساس و شرط المرور من دولة "الرعية" إلى دولة المواطنة. و حينها فقط نضمن حرية الضمير و التعبير و أسلوب العيش للجميع و نضمن احترام الاختلاف.
و تجنبا لهذه الكارثة ينبغي فصل الدين عن السياسة لضمان تنافس حقيقي من أجل الوصول إلى السلطة و هو الطريق الوحيد لتفادي ما نحن عليه اليوم : أناس يريدون البقاء في الحكم باستعمال الدين و آخرون يريدون الوصول إلى الحكم عن طريق الدين أيضا.
و من هنا فمن البديهي بالنسبة لي على الأقل أن أرفض إقامة هذا النموذج من الدولة الدينية في بلدي، الدولة التي ستتدخل حتما في حياتي الشخصية.. وهل من الديمقراطية في شيء أن نفرض فلسفة حياة و أسلوب عيش اعتمادا على ميزان الأغلبية و الأقلية؟ هل يمكن أن ننظم انتخابات قبل وجود عقد اجتماعي واضح المعالم ؟ كيف يمكن المشاركة في لعبة لا أحد يعرف ضوابطها و قوانينها؟ ألم تفز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر في انتخابات بلدية ثم في الدور الأول من انتخابات تشريعية دون أن تعقد مؤتمرا واحدا !
كيف يمكن أن أقبل استفتاءً أو انتخابات قد تحرمني نتائجها من ممارسة حياتي كما أريد و التفكير و التعبير كما أريد حتى و إن كان ذلك خلافا للأغلبية الساحقة؟ و هل يمكن أن تصبح هويتي الشخصية ضحية لباتولوجيا الغير، مهما كان عدد هذا الغير؟ هل الديمقراطية وسيلة لحماية أم لسحق الأقلية؟
الجنون، يقول اينشتاين، هو أن تقوم بنفس الشئ عدة مرات و تأمل أن تحصل على نتائج جديدة. و هو ما يقوم به العرب تجاه الإيديولوجية الإسلاموية منذ عشرات السنين.
شوهد المقال 1626 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك