محمد العباس ....... نجوم المسابقات.. إفلاس ذوقي وأخلاقي

محمد العباس
منذ أن بدأ عرض النسخ العربية من برامج المسابقات، ارتفعت جماهيرية الذين شاركوا في تحكيم المسابقات كنجوم تلفزيونيين، لزوم الإعلانات التجارية وألاعيب صناعة النجوم، إلا أن صورتهم كفنانين قد أصيبت ببعض الخدوش. وكأن الجمهور قد تفاجأ بالعادية التي ظهر بها أولئك، ولا أخلاقية بعضهم الذين لم يتورعوا عن السخرية من المشاركين.
ولأن النجوم لا يحتملون فكرة الابتعاد عن الأضواء، وفي الوقت ذاته لا يستطيعون التجاوب مع توق الجماهير، صاروا في ورطة حقيقية، وهكذا قرروا الحضور بعقلياتهم المسطحة، وأمزجتهم المتقلبة ومزاعمهم الإنسانية، حتى صاروا أضحوكةيُنظر إلى النجم الفني دائماً على أساس كونه مثالاً للذوق والرقة والثقافة، إلا أن هذه البرامج كشفت عن الضحالة الثقافية لبعض أولئك.. كما أفصحت عن المستوى الأخلاقي المتدني عند البعض. ففي المخيلة الجماهيرية، الفنان هو مصدر الإبداع والحب والجمال، وهو وهم طالما حرص النجوم في جميع أنحاء العالم على تصعيده وتوطينه في أذهان الجماهير.
ولا شك أن تلك المنصات شكلت فرصة حيّة لرؤية النجوم على حقيقتهم، وهم -أي النجوم- لم يفوتوا فرصة الظهور الإعلامي والتماس المباشر مع الجمهور، ظناً منهم أن هذا سيكفل لهم المزيد من الشهرة والشعبية، ولم ينتبهوا إلى أن الصورة الحالمة التي يختزنها وعي ووجدان الجمهور عنهم قد تتحطم بعد أول إطلالة نتيجة إفلاسهم المعرفي والذوقي.
لم يبالغ سقراط عندما قال: «حدثني كي أراك»، فهو يعرف أن رؤية أعماق المتكلم بوضوح وصفاء تكمن وراء ما ينطق به. وهؤلاء الذين مثلوا أدوار المحبين الإنسانيين الأخلاقيين المثقفين انكشفوا بمجرد أن تحدثوا، فهم لا يجهلون فقط أبسط المفاهيم في المدارات الحياتية، بل حتى أساسيات الحقل الفني الذي يعملون فيه.
إنها لحظة انكشاف كبرى محتّمة بظهور النجم خارج عالمه السحري الغامض، ولا يمكن لأي نجم اليوم أن ينجو منها، حيث يُلاحظ تردُّد معظم النجوم في دخول مواقع التواصل الاجتماعي إلا من منطلق نجوميتهم، أي كمشاهير فوق المساءلة وخارج مقتضيات التفاعل، وهو أمر لا يقره لا محبو النجم ولا ضرورات اللحظة والمواقع التواصلية.
ولأن النجوم لا يحتملون فكرة الابتعاد عن الأضواء، وفي الوقت ذاته لا يستطيعون التجاوب مع توق الجماهير، صاروا في ورطة حقيقية.. وهكذا قرروا الحضور بعقلياتهم المسطحة وأمزجتهم المتقلبة ومزاعمهم الإنسانية، حتى صاروا أضحوكة.. خصوصاً في موقع (تويتر)، الذي يتطلب الكثير من التلقائية والحضور العفوي والواعي في آن.
إن افتعال المشاكل بين النجوم في المجلات الفنية الهابطة لرفع مستوى شعبيتهم، لم يعد ينطلي على أحد، ونشر الإشاعات المدبرة في البرامج الترفيهية الساذجة لم يعد مقنعا للجمهور.. أجل الجمهور الذي صار بمقدوره أن يسأل نجمه المفضل بشكل مباشر.. الجمهور الذي رأى بأم عينه نجمته المفضلة تتلاسن مع زميلها الفنان، كما رأى نجمه التلفزيوني يهزأ بالمتسابقين بدون أي رادع أخلاقي.
صورة النجوم كفنانين وليس كمشاهير آخذة في التهشُّم، حيث صاروا مادة للتندُّر والتفكُّه، بعد أن كانوا كائنات للترويح عن النفس، وخصوصاً أولئك الذين صاروا يتحدثون في كل القضايا بدون دراية ولا خبرة، الذين يفتعلون المعارك الهامشية؛ ليجذبوا انتباه الجمهور، وهي حيلة ناجحة بالفعل، إلا أنها لا تقرب الجمهور إلى فنهم بل إلى مهاتراتهم وحماقاتهم التي تتحول إلى مادة ترفيهية وإعلامية ممجوجة.
إن من يقبل الظهور في برنامج مواجهة مع الجمهور من الفنانين، ومن يصر على المشاركة بوعيه القاصر، وأحاسيسه المرتبكة، إنما يقدم الدليل بالصوت والصورة على رداءته.. وكذلك الذي يفتح حساباً في أي موقع تواصلي تفاعلي، بدون قدرة على التواصل المنفتح، إنما يبعث الإشارات الصريحة على سذاجته، وبالتالي فهو يوثّق الصورة الأقل من عادية عنه، ليحطم بنفسه الصورة الحالمة التي رسمها الجمهور عنه.
جريدة اليوم السعودية
شوهد المقال 1815 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك