فضيلة معيرش ـ لا تبكي معي
بواسطة 2021-01-26 01:23:55

فضيلة معيرش ـ المسيلة
احتضنت مريم وجهها الطفولي الدقيق الملامح المشرئب بالحمرة بكفيها ، ناولتها الخالة نسمة منديلا ورقيا معطرا بالدهشة والحيرة ، وقد تناثرت حبات الدمع السخي من عينيها العسليتين كسيل غزير متدفق جادت به سحابة حبلى منذ سنوات ، لم تنزع الأيام من قلبها الذكرى بل أخذت الأقدار فجأة أحب شخص لقلبها .
نادى صوت الفقد عليها : مريم ما بال أمّك رحلت وتركتك في منعطف أوّل طريق يؤدي لباحة الألم ، ما بالها خذلت عمرك الطفولي وتركت لك أطفالها الصغار ، تنخر سنوات يتمهم مسرات أفراحهم ، بلغت مريم الخامسة عشرة من عمر اليتم.تفقدت ملامح أخويها الصغيرين لتجد مشاعرهما المبللة بالحرمان قد شاختا مبكرا يبكيان ويضحكان في آن ، ارتدت نظرات والدها محاد أسمال الصمت والتشتت و التوجع المقيت ، قال بصوت هامس : عودي للدراسة سأتدبر أمرهما...
تفاقمت مسؤوليات مريم لتصير كجبال من البرد والوجع المتراكم ، تمرّ أربعة أشهر لا فتيل لمصباح ينير عتمة قلبها لا وجها باسم لصبح مشرقا يزيل غشاوة شجنها، أصبح والدها محاد أكثر صمتا. وقد تجند كل إخوته وأقاربه وخاصة نساءهم في اقتراح قريبات لهن ليحلّن محل أمّ مريم لم تجف الدموع في مآقي مريم ، حفر شوك السأم ندوبا غائرة تشهد أخاديد اليتم على اتساع شقوقها ،لم يقوى عود أخويها الصغيرين أصيل وسامي بعد. ينصرف والدها لعمله كقابض بريد كل صباح أضحى يتجاوز عمر الشقاء عمره بعديد السنوات ، تخضب شعره بالبياض وبالمحن يشارف على العقد الرابع ،يهاتف ابنته مريم بين الفينة والأخرى إن أطال غيابه وقد ازداد تعلقه بأولاده ، عادت مريم لمقاعد الدراسة ترسم ابتسامة رضا لتتجنب شفقة الفضوليين، وروحها تنتحب لا يعرف سرّ اليتم إلا من ذاق من أكوابه المترعة بالتضحيات ، تصطحب أخويها في المساء من دور الحضانة ليحتضنهم ليل الفقد البارد الأطراف ، مازال صدى صوت أمّها ترجعه جدران البيت إن تألم أحد إخوتها ، اختلج قلبها ذات مساء وهي تلج البيت لتجده يعج بأقاربهم ، وصخبهم ومرحهم يصم أذن الوجع القابع منذ رحيل أمها بين جوانبه، كتمت مريم آهاتها وإحدى القريبات تزينت كعروس ، تخجل ابتسامة ارتسمت على محيا والدها حين أربكته بنظراتها ، وقد ارتدى طاقما جديدا ، بينما كانت تعيد ترميم ما وقعت عليه عيناها وما أصاب حواسها من دهشة ، امتدت يد تبعدها عن المكان الذي أطالت به المكوث، ليدخلوا أثاثا جديدا...
شوهد المقال 676 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك