محمد السباهي ـ رواية الجبان سيرة (نصف) ذاتية - للقاص والروائي ياسين شامل
بواسطة 2021-03-11 02:05:57

محمد السباهي
(كيف يريد مني أن أقول ما يقوله الشجعان في زمن الترديّ، لابدّ من أنه كمن يتصّور نفسه يعيش في بلد ديمقراطي، يضمن حرية الرأي، وقد صدق هذه الكذبة الفجة)/ص: 131.
تقنيات القص.
في رواية (الجبان) يستثمر القاص والروائي (ياسين شامل) تقنية (القناع) ليبدع لنا رواية (سيرة نصف ذاتية). وتقنية القناع ليست من التقنيات الجديدة، لكن، المهارة في استثمار وتوظيف هذه التقنية بما يخدم العمل الإبداعي. والسيرة في رواية الجبان، سيرة (ثلاثية القص). حيث يتناوب على القص (صاحب دار النشر)، وهو سارد ثاني عمل على تهيئة القص عبر ما اجترح عليه باسم (الفصل الأخير1)، ثم يقوم بكتابة النهاية (الفصل الأخير2). والراوي الثاني، هو القاص/السارد، صاحب العمل الإبداعي (منصور) الشاب الخجول، صديق الأدباء. ثم الكاتب ياسين شامل الذي وعى قيمة هذه التقنية الثلاثية، والقيمة تكمن في الاستثمار والتوظيف.
أما التقنية الثالثة، فهي (الميتاقص). وهي بعبارة باتريشا ووه: (المتخيل السردي الواعي بذاته). ويتضح هذا الأمر من البداية حيث يقوم بكتابة (الفصل الأخير1، والفصل الأخير2) الذي به يختم الرواية. وهذا التداخل (اقتحام السرد) هو بعبارة عباس عبد جاسم؛ (المؤلف المنظور يقتحم السرد ويعلن عن ذاته ليكون أحد شخوص الرواية).
أما التقنية الأخرى، فهي تقنية اعتمدت أسلوبية (المبنى الحكائي)، حيث قام بكسر المراوحة والتتابع، بتقديم النتيجة (ملخص عام عن الرواية)، وترك الخيار لصاحب دار النشر في كتابة الفصل الأخير، وهو فصل (صناعي). يقول الأستاذ محمد خضير في (الحكاية الجديدة): (لا تستغني قصة عن إحدى هذه الوسائل للبرهنة على وجود نواة جوهرية تُصمّمُ فيها المقدماتُ والنهايات).
وبرأيّ، أن الروائي ياسين شامل ترك الباب موارباً للقارئ لاختيار الفصل الأخير/الخاتمة. حيث يمكن لأي قارئ أن يكتب الفصل الذي يتوافق مع رؤيته لسير أحداث الرواية، وليس عليه بالضرورة التمسك برؤية ياسين شامل للخاتمة.
إيقاع الرواية:
كُتبت الرواية بإيقاع هادئ يتوافق مع العنوان(الجبان)، وطبيعة البطل (منصور) الذي يميل إلى الهدوء، ويتجنب المجازفة والانخراط في الصراعات حتى البسيطة منها (لست ممن يدعون "المراجل"، إنما كنت مسالماً... أخذت كيس المال، قبل أن اتفوه بكلمة، انتزعته بقوة. سمعتها تسبني، لو قالت عني جبان، ما كنت أهتم، لعلها قالت الحق، فأنا أعترف مع نفسي بأنني لست شجاعاً). لكن، وعلى ما يبدو أن إعجاب البطل ب(سمر/ ذات العينين الجذابتين) طالبة الفنون الجميلة التي اشتركت في تظاهرات (تشرين) وتعرضت إلى الاختطاف، ومن ثم القتل، أثر في تحولات الشخصية، حيث تحول البطل (منصور) إلى محقق سري في مسعى للكشف عن قاتل (سمر) بطريقة أبعدته عن الحذر الذي كان سمّة مميزة له.
والرواية، سيرة (نصف ذاتية)، تشعر وأنت تقرأ الرواية بوجود (القاص ياسين شامل) الذي يتحايل لسرقة دور السارد (الكائن الورقي)، ويدور بنا في أماكن حقيقية، ويتحدث عن شخصيات، أيضاً، حقيقة، نحن نعرفها، ولها صلة بالواقع، ثم يذهب بعيداً في الكشف عن حوادث حصلت في أيامنا هذه؛ (تظاهرات تشرين)، وهو بهذا يحاول إزاحة الستار لرؤية كواليس أحداث تشرين. والروائي هنا، يعلم قيمة هذه المغايرة والمناورة، يقول: (كما أود ان اخبرك أن في الرواية أسماء حقيقية لهم علاقة بالأحداث) ص:16. وبهذا هو هنا، يحاول بناء (سيررواية /نصف حقيقية) من خلال ذكر ووصف هذه الشخصيات، مثل: (صفاء ذياب) صاحب مكتبة شهريار، والأستاذ كاظم اللايذ، والمرحوم أبو علي، ناصر أبو الجرايد، كذلك الفنادق والشوارع والمطاعم، وساحة التظاهرات، ساحة البحرية. وبهذا التوصيف، تنتقل الرواية من السرد الواقعي إلى السرد الحقيقي، فهي سيرة مدينة، سيرة شعب/شباب باحث عن وطن، عبر انتخاب شخصية طالبة (سمر) التي تعرضت إلى الاختطاف، وعندما أرادت الكشف عن الخاطفين، تعرضت إلى القتل.
المحور الآخر الهجوم على القارئ بعنوان صادم (الجبان)! من هو الجبان؟ ما هي صفات الجبان؟ لماذا اختار هذا العنوان دون غيره لبطل الرواية؟ وبكل وضوح، نقول: إن العنوان، بعيد عن الاعتباطية، ولا يخلو من القصدية، وبعبارة السيوطي: (عنوان الكتاب، يجمع مقاصده). كذلك بعبارة جيرار جينيت: (العنوان. الجيد هو أحسن سمسار للكتاب). حيث يمارس العنوان وظيفة إغرائية تحريضية في قراءة النص. وهنا نؤشر على قيمة الاختيار (الجبان) كعنوان تسويقي، طالما نحن نؤمن بتسليع الأدب. وهذا ما عناه (ليوهوبك) بقوله: (... من أجل جذب الجمهور)، ويرى جيرار جينيت أن العنوان هو(هوية النص).
فالعنوان، وهو (بنية صغرى)، اختصر، كلّ مفهوماتنا عن (الجبان)، وعمل كنص مكثف للمتن. وعنوان الرواية (الجبان)، – يمارس علينا، كقراء- حسب وظيفته (تحريضاً) للتعرف على هذا الجبان. وبرأي؛ أن عنوان الرواية (الجبان) عنوان صادم، يُمارس ضغطاً (وعدوانية) على القارئ للكشف والتعرف على طبيعة الجبان. ومما من لا شك فيه، نجاح الأستاذ ياسين شامل في سك العنوان الرئيس، وهذا النجاح استكمل طريقه إلى العنوانات الفرعية التي سهلت مهمة القراءة، والانتقال من فصل إلى آخر بيسر.
الخاتمة:
(منصور)، بطل رواية ياسين شامل (الجبان)، هو الشجاع الذي اتبع خيط (أريان) في سعيه للكشف عن مقتل سمر. لكن، سعي منصور (الجبان/الشجاع)، مثل سعي كل من يحاول الكشف عن الطرف الثالث، وقد وضح لنا ياسين شامل هذه الحقيقة، في خاتمة (الفصل الأخير2)، حيث تم توريط البطل (منصور) بقتل سمر، وهو الساعي لكشف حقيقة مقتلها! (في الساعة التاسعة، في نشرة الأخبار من الفضائية الرسمية، كانت المذيعة التي بالغت بوضع مكياجها تذيع الخبر. "وصلنا الأن ما يلي: بعون الله وبهمة الأبطال، تم إلقاء القبض على أحد أفراد الطرف الثالث، بحوزته سلاح الجريمة في قتل المتظاهرة الشهيدة سمر". ص:172. وبرأي هذه نهاية واقعية لنا جميعاً كجبناء، شاركنا بطمس حقيقة الطرف الثالث ولم نساهم في الإشارة إليه.

شوهد المقال 10387 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك