عادل السرحان - الهم الإنساني في قصيدة السياب . عرس في القرية.
بواسطة 2014-11-28 11:58:51

عادل السرحان
هذه قراءة خاصة ملهمها الهم الانساني في شعر السياب
مثلما تنفض الريح ذرّ النضار
عن جناح الفراشة مات النهار
النهار الطويل
فاحصدوا يا رفاقي فلم يبق إلاّ القليل
كان نقر الدّرابك منذ الأصيل
يتساقط مثل الثمار
من رياح تهوم بين النخيل
يتساقط مثل الدموع
أو كمثل الشرار
إنها ليلة العرس بعد انتظار
مات حب قديم و مات النهار
مثلما تطفئ الريح ضوء الشموع
الشموع الشموع
مثل حقل من القمح عند المساء
من ثغور العذارى تعبّ الهواء
حين يرقصن حول العروس
منشدات نوار اهنئي يا نوار
حلوة أنت مثل الندى يا عروس
يا رفاقي سترنو إلينا نوار
من عل في احتقار
زهدتها بنا حفنه من نضار
كدأب السياب في كل قصيدة يجعل من همه الشخصي أو المحلي هما انسانيا تختلط فيه المشاعر وتتمدد من الخصوصية الى العموم حيث جعل من حادثة زواج بنت فلاحة من القرية برجل غريب يملك المال دون الارتباط به او بغيره من شباب القرية البسطاء شرارة لاشتعال مزيدا من الهموم واثارة موضوعات متعددة ذات طابع انساني اولها الفقر الذي يقف عائقا امام الفقراء يحول دون تحقيق امانيهم ويجبرهم على اللاخيار ويقسم المجتمع الواحد الى طبقات .
خاتم أو سوار و قصر مشيد
من عظام العبيد
و هي يا رب من هؤلاء العبيد
و لو أنا و آباءنا الأولين
قد كدحنا طوال السنين
و ادخرنا على جوع أطفالنا الجائعين
ما اكتسبناه في كدنا من نقود
ما اشترينا لها خاتما أو سوار
يفكك لنا السياب منظومة القهر والاستبداد والتمايز الطبقي المقيت عبر رموز موحية هي القصر المشيد و عظام العبيد كناية عن سرقة الاغنياء لقوت الفقراء واتخاذهم عبيدا لمجدهم وسحقهم وسلبهم حقهم في الحياة والاستحواذ على كل جميل فيها وخصوصا الحبيبة التي اختار لها اسم نوار وهذا الاسم يوحي بالجمال ومستمد من البيئة القروية التي تحيط بالشاعر وذكرياته وهي اعني نوار الحبيبة والمراة رمز لكل جمال سرقه الطغاة الاغنياء أو تخلى عنه الفقراء تحت وطأة التسلط الطبقي والفقر وأشار السياب ببراعة الى اداة القهر الا وهي المال الذي يشتري الفقراء ويبيع احلامهم وامانيهم ويقف سدا منيعا امام تحقيق طموحاتهم وببراعة الكلمة يصور السياب عجز الفقراء المطلق امام سطوة المال عندما يشير الى حقيقة مفادها ان كل مايكسبه الفقراء طيل حياتهم وما يدخرونه من جوع اطفالهم لا يمكن ان يساوي خاتم يقدمه غني ليخطف به حبيبة من حبيبها ومن هذه الرمزية ينطلق السياب ليقرر عجز المجتمع عن التغيير ومقاومة التسلط والطبقية والفقر .
خاتم ضم في ماسه الأزرق
من رفات الضحايا مئات اللحود
اشتراها به الصيرفيّ الشقي
مثلما تنثر الريح عند الأصيل
زهرة الجلنّار
أقفر الريف لمّا تولّت نوار
بالصبابات يا حاملات الجرار
رحن و اسألنها يا نوار
هل تصيرين للأجنبي الدخيل
للذي لا تكادين أن تعرفيه
يا ابنة الريف لم تنصفيه
كم فتى من بنيه
كان أولى بأن تعشقيه
إنهم يعرفونك منذ الصغر
مثلما يعرفون القمر
مثلما يعرفون حفيف النخيل
و ضفاف النهر
و المطر
و الهوى يا نوار
ويستمر السياب مجليا الواقع المرير الذي يمر به العراق حيث الفقر والظلم والتسلط والعجز واستحواذ الغرباء على ثروته وحرمان اهله منها دائرا حول نفس الرموز ومستخدما كلمات ذات دلالة مناسبة لكل تفاصيل الحياة انذاك والتي وصفها بالمقفرة مشبها اياها بزهرة الجلنار القروية التي تتطاير وتتلاشى امام ناظريه وقت الاصيل عند هبوب الريح رابطا ذلك كله بغياب الجمال والحب المتمثل بشخص نوار.
احصدوا يا رفاقي فإن المغيب
طاف بين الروابي يرش اللهيب
من أباريق مجبولة من نضار
و الزغاريد تصدى بها كل دار
أوقد القصر أضواءه الأربعين
فاتبعوني إليها مع الرائحين
اتركوني أغني أمام العريس
و أراقص ظلي كقرد سجين
و أمثّل دو المحب التعيس
ضاحكا من جراحات قلبي الحزين
من هواي المضاع
من قلوب الجياع
حين تهوي و من ذلة الكادحين
سوف آكل حتى ينزّ الدم
من عيوني فما زال عندي فم
كل ما عندنا نحن هذا الفم
كان وهما هوانا فان القلوب
و الصبابات وقف على الأغنياء
لا عتاب فلو لم نكن أغبياء
ما رضينا بهذا و نحن الشعوب
ومرة اخرى ياخذنا السياب في هذا المقطع الاكثر ايلاما الى موضوعات الفقر والقهر والحرمان والعجزاذ يدعو رفاقه الى الذهاب الى عرس نوار والرقص كالقرد في رمزية ملفته الى جلد الذات وذلة الكادحين واستسلامهم للقهر والعبودية
ويستخدم السياب لفظة الفم كناية عن الجوع والحرمان ويقصر حياة الفقراء على مهمة هذا الفم في لفتة موجعة لمآل الفقراء حيث لافم يشبع ولا فم يدافع عن حقهم في الحياة وهذا لعمري قمة الابداع والتصوير حيث ان الحب والصبابة ونبض القلوب هي حكر على الاغنياء وانها وهم في مخيلة الفقراء ومن ثم يعود في الخاتمة الى جلد الذات ويقرر حقيقة جوهرية هي ان سكون الشعوب امام عربدة الظالمين هوسبب ذلها حيث يحمل هذا الاقرار في طياته دعوة للثورة على كل واقع بائس .
شوهد المقال 2175 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك