سامية بن عكوش ..... الجنس بين الجمال والبذاءة في الرواية
بواسطة 2014-09-29 00:32:13

سامية بن عكوش
منظر البركان مفزع وبشع عندما نراه في الواقع، لكنّه عندما يتحوّل إلى لوحة زيتية قد يثير فينا المنظر متعة كبيرة، فينقلب جلال البركان في الواقع إلى جمال. ما السّبب؟ لأنّ اللّوحة تخرج من القيّم الجمالية التقليدية جميل / قبيح، وتنتمي إلى عالم خاص بها، هو الذي يحفظ سرّها وينشر جمالها ويقاوم التقادم عبر الزمن. أنطلق من هكذا موقف جماليّ لأقول بأنّ النّقد الحقيقيّ لا يذمّ الروايات الجنسية ويقول عن أدبائها: يخرجون عن الآداب العامة، كلامهم بذيئ..... إلخ الإنسان حيوان غريزيّ، والجنس طاقة ولد بها و وجد بها ويبدع فيها. فالروايات التي تكتب عن الجنس تدخل ضمن رواية الغريزة. وقد يتعدى الجنس البعد الغريزيّ ليرتبط بأبعاد وجودية عميقة في حياة الإنسان كالموت والسّياسة.
يحصل أن يطالب النّقاد - خاصة في الضفّة العربية- بتوقف كتاب الرواية الجنسية عن توظيف نفس ألفاظ المعاشرة الجنسية المعروفة بين الرجل والمرأة في الواقع، ليعبّروا حسبهم عن صدق فنيّ في كتابتهم. فيصف الكثير من النّقاد روائيي الجنس بعديمي الأخلاق والخارجين عن الآداب العامة،وقد يصل الأمر إلى منع هكذا روايات، مثلما يحدث في العالم العربيّ.
إذا كان الجنس يمارس بهكذا ألفاظ، فأمام الكاتب ثلاث حلول: إما استخدام طريقة التمويه المجازيّ والتكثيف الاستعاريّ أثناء هكذا فقرات، أو أن ينصرف عن كتابة الجنس كلّية، أو أن يكتبه بألفاظه التي يسمّيها النّقاد ومعهم العامة بذيئة.
تلك الألفاظ البذيئة عندما تدخل عالم الرّواية وترتبط بعناصر الحبكة الفنّية، قد تتحوّل إلى مشاهد جمالية، إن أحسن الكاتب توظيفها، مثلما يتحوّل البركان الجليل إلى منظر جميل في لوحة الرّسام. العبرة في خلق عوالم جمالية تبرّر فنّيا ورود هكذا مشاهد وألفاظ.
فالرّهان الأساسيّ في نجاح الرّوائيّ في توظيف ما يسمّيه البعض بالكلام الجنسيّ البذيئ توظيفا فنّيا راقيا، يجعل الجنس عالما متعدّد الأبعاد ومتدرج الطبقات. ماهو هذا العالم؟
ذاك هو السّؤال النّقديّ الهام. (يتبع)
شوهد المقال 3329 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك