رسائل بأحرف الوجع ... زينب خليل سلمان

لمْ أكنْ بِمعصومٍ عن ملاقاةِ الهوىٰ رغمَ أنَّ صروفَ الدّهرِ قد فتكَتْ بِتضاريسِ جسدِي وأضرمَتْ نارَ الوهنِ في بُنيَتِي .
إنّي كاتبٌ يُلصِقُ قُبلاتِ حبرِهِ علىٰ ورقٍ أسمرٍ مُعتَّقٍ فيسقطُ قلبُهُ وبقايا أفكارِهِ علىٰ السُّطورِ .
إذا حطَّتْ أقدامُ فكرِهِ علىٰ ترابِ مدينةٍ راحَ ينسجُ من حبّاتِهِ أدباً منقوشاً كتُراثٍ تاريخيّ .
هنا في دمشقَ عادةً ما تتوارىٰ خلفَ الشوارعِ مراسمُ الذكرياتِ بدءاً من بابِ شرقيّ وصولاً إلىٰ القيمريّةِ،هنا يفوتُكَ الوقتُ وتختبئُ في قارورة عطرِكَ رائحةُالياسمينِ ،وإذا نجوتَ من لسعاتِ الذّكرىٰ والتّفاصيلِ، فلن تنجو من ولادةِ ودادٍ عندَ بزوغِ الشّمسِ كوسيلةٍ للاعترافِ ببلوغِ صباحٍ جديدٍ.
ومنذُ أن أقحمْتُ قلبِي بحبِّ إحدىٰ ياسميناتِها تلعثمَتْ أقدارِي ولم تنطُقْ بغيرِ حُبِّها .
كانتْ سمائيّةَ الرّوحِ ، مُتخمَةً بالجمالِ ،قمحيّةً بشفاهٍ ناعمةٍ ، وعيونٍ تغفو في حجرِها حبّاتُ البنِّ.
وكانَ لي في معاجمِ عينيهَا معانٍ كثرٌ فكلّما حلّتْ قُبالةَ قلبِي كتبتُ لها قصيدةً .
أمّا اليوم فأعيانِي النّوىٰ إثرَ رحيلِها وأسرتِها إلىٰ روما مُرغمَةً،
إلّا أنّي وعدتُها أن أكتبَ لها كلَّ عامٍ كي تتحسّسَ حالَ قلبِي وأيّامِي .
أوّلُ رسالةٍ
٩ يَناير ٢٠٠٥ دمشق
|حبيبتِي
عودي
فالمسافاتُ عاجزةٌ لا تقوىٰ علىٰ هدمِ الذّكرياتِ ،
ما زالتْ دمشقُ تنشدكِ عبقاً يفوحُ بين ذرّاتِ النّسيم في حاراتِها، وأنا كما عهدتنِي أبتاعُ الابتسامةَ من متجرِ العمِّ وليد ومعها الكعكُ والقهوةُ وأنتظركِ على قارعةِ السّنينِ،وتنتظرُكِ معي العصورُ والطيورُ ، والدكاكينُ المرصوفةُ علىٰ حافّتَي الطريقِ ، والمقهىٰ والمِئذنةُ، والأمانُ ، وفيروز والصباحُ ، وحشودُ النّاسِ وقاسيون.|
الرّسالةُ الأخيرةُ
٩ يَناير ٢٠١٣ دمشق
|حبيبتي
عودي أو ربّما الوصيّةُ الأثمنُ لا تعودي،
فليسَ بانتظاركِ اليوم سوىٰ أنا وقاسيون . |
شوهد المقال 2069 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك