جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٦٨-
بواسطة 2015-06-26 16:22:17

جعفر يعقوب
في شرفة فندق الكونتنينتال يقرأ جريدة الأهرام، ويتصفح أخبارها، وهو يحتسي حليبا ساخنا، مع قطعة من الخبز البلدي المصري، مع الفول المدمّس، بينما يرنّ جرس الغرفة.
- تفضّل يبيه.
- متشكّر.
تسلّم تلغرافا أرسله حازم يهنئه على مزاولة وكالة الرملي للأخشاب عملها، وتعافي مديرها أبي راشد من مرضه، ومداومته على عمله.
- الحمد لله.
ثمّ عاد لتناول إفطاره الصباحي، لينهي بعده سلسلة من الأعمال، منها، إمضاء عقود استيراد مع شركتين في اليوم الخميس قبل عودته غدا إلى البحرين.
صباح الجمعة في بيت الحاج حسن الإسكافي حركة غير طبيعية، لا يعرف إلا نزر قليل منهم ما يدور همسا بين الحاج والحاجة أم عبد الله وابنهما الأكبر عبد الله، يتزامن ذلك مع فرحة العائلة بولادة غنمة مولودها البكر في زريبة بيتهم، وعادة ما تصنع هذه الحالة جوّا خاصًا في المنزل، مفعما بالبهجة، إذ يتحوّطها النساء والأطفال حين ولادتها؛ لتقديم الرعاية لها، ومشاهدة سخلها.
وفوق كلّ ذلك هو يوم الجمعة، يوم العادة " إقامة المجلس الحسيني، كما تعوّدوا عليه أسبوعيا"، فهو يستدعي استعدادا، لعمل الضيافة من الشاي والقهوة؛ وحيث تطلّ مناسبة المبعث النبوي في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، فتلك فرحة ترفع منسوب البهجة، لكنّ الجميع يشعرون بأنهم في فرحة غير اعتيادية؛ نظرا لخصوصية الاستعداد، وحركة أم عبد الله في بيتها على غير وتيرتها.
- يا تهاني، نظفي الحوي، وبخري المجلس والغرفه زين. وانت شفيقه سوّي حلاوة المحلبيه، ولا تنسين تحطّين هيل في القهوه، والمنثوره خلّي فيها زعفران.
- وش صاير، اليوم الشغل زايد.
- يا بنتي بيجونا ضيوف.
- بس اليوم ضيوف ؟؟
- اليوم أخوش جاسم بيرجع.
- هاه .. قولي چدي! عجل يوم عرسه ويش بتسوين؟؟ هذا إذا غيّر عناده!
- هاليوم فرحتي كلها.. يا بنتي. ما اطلب من الله غير هالطلبه.. يا رب.
في ناحية من البيت يهمس الحاج حسن أبو عبد الله لزوجته:
- يا ام عبد الله قاصرنكم شي؟ قولي.
- لا يا بو عبد الله ..
- الناس جايينا واريد ارفع راسي بينهم.
- راسك مرفوع يا بو عبد الله ..
شجرة السدرة اليوم تزهو بابتسامة لم تداعب أوراقها وأغصانها من عهد بعيد، لكنها تتهادى برقصة مجنونة على وقع ريح الشمال، حتى العصافير تعزف أوركسترا في حفلة الندى .. ربما ترقص السدرة مع أوتار قلب فاطمة وعلى إيقاع نبضاتها المتسارعة مع اقتراب موعد الحلم.
بيت الهدّار فردا فردا مع موعد، هو حلم جاء فجأة بدون انتظار، لكنهم مستعدون إليه بشوق، يحسبون دقات الساعة، وهي تمر بطيئة حتى ساعة الموعد.
فاطمة تحلّق روحها كغيمة بيضاء في حلم أبيض، قلقة بعض الشيئ من غدر المفاجآت، تترقب وقلبها مقبوض، كيف لها أن تنظر في عيونه، وتبادله النظرات؟؟ أكوام الثلج ذابت في قلبها، وكرة النار تحولت وردا يغسل مشاعرها. تنظر لشجرة السدرة وتضحك هذه المرّة من قلبها.. ترى نفسها في المرآة فتبتسم بنشوة غادة تبتهل في مسرح العرس.
- ويلاه .. جاسم .. حلم أشوفك بعد هالسنين. قلبي اشلون بيقدر يشوفك .. احس اني باموت من أول نظره لك، يا بعد عمري.
الحاج أحمد الهدار هو الآخر يحلّق بأجنحة الفرح، وهو يغتسل في عين عبادان استعدادا لموعد المعامير.
الحاج حسن الرملي هو أكثرهم راحة، وشلال السعادة يتدفّق في بحيرة قلبه، فقد آن له أن يضع عنه صدره الأغلال الثقيلة، خجلا من معروف هذا الرجل النبيل الذي رفع هيبته بعد أن كادت تتمرغ في الوحل، وأن تسقط في سوق الشامتين والطامعين.
لذا أجرى اتصالاته، مذكرا الشيخ زين بركات، وشاكر السرو بأخذ اللمسات الأخيرة، وبالحضور في الموعد.
- من بياخذ جاسم من المطار لبيته؟
- حازم.
- وصّه لا يتأخر.
- اطّمن يا حاج، تمشي التحضيرات على خير إن شآ الله
شوهد المقال 1857 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك