جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٦٦-
بواسطة 2015-06-24 01:53:26

جعفر يعقوب
-تعال يا شاكر.
اعتكف مع شاكر السرو بمكتبه لساعة، دار بينهما حديث، وخلال خروجه بادل بعض العملاء الحديث سريعا، وانصرف.
لم يفت أحدا أن شيئا ما يشغل أبا راشد. فقط هي جملته الأخيرة ألمحت إلى الأمر دون أن تفك شفرته.
-لا تخلّي يا شاكر. من تفرع شوف لي الموضوع باسرع وقت.
في مدينة الألف مئذنة كان جاسم يسيح مبهورا في جزء صغير من هذه المدينة التي تختزل الحضارات القديمة، وتزخر بعبق التاريخ العميق، رغم الكثافة السكانية وزحمة المواصلات والشوارع فيها، يدهشه السحر الفرعوني متناثرا في مناحيها ومقاطع جسدها النابض.
فندق الكونتنينتال بشارع نوبار باشا؛ حيث مقر إقامة جاسم، هو وصلة سياحته التي لم تتوقف، ونقطة تطوافه في ميادين قاهرة المعز. في ميدان رمسيس، يتجولا برفقة حسني جمال دليله الخاص بين الأسواق الشعبية حينا، وحينا في الأسواق التجارية والصناعية التي أغرته بشتى أصناف البضائع والسلع .
وفي شارع الفجاله سوق خاص بالأدوات الصحية والحمامات والسيراميك ومعارض ذات بريق وإغراء تستوقفه متأملا تصاميمها ومواد صناعتها، وربما سجل عناوين محلاتها، ودخل في تفاصيل استيرادها.
وفي ناحية أخرى تزهو المدينة المصرية جمالا في عينيه بين كورنيش نيلها الأزرق ومعالمها السياحية والأثرية، خصوصا، أجواء ليالي القاهرة وأحيائها وحاراتها الشعبية الموغلة فلكلورية بمقاهيها ومبانيها وزقاقها وصخب الحياة اليومية فيها، يمضي فيها تجوالا وتنزها.
- مصر أم الدنيا فعلا.. مو غريبه تكون ابهالجمال وسحر قلوبكم مفعوله من سحرة الفراعه يا حسني..
- متشكرين يا بيه، هذا من زوئك بس، إحنا ما عملنا غير الواجب.
التقى شاكر حازم العبد الله في مقهى المخارقة ليلا، هو من تعمد اختيار المكان. مع رشفات الشاي الإيراني من يد بهرام قرباني- صاحب المقهى، وعلى صوت النغم الفارسي تصدح به المغنية الإيرانية الشهيرة گوگوش، وهي تغنّي بصوتها الناعم " من آمده ام " - أنا مقبلة- يحلو جوّ السمر؛ هروبًا من العمل وعناء الحياة الكالحة.
- ما أظن عازمني في هالقهوه حتى نتكلم عن الشركه ولا الوكاله! ادخل في الموضوع مباشر يا شاكر.
-يعجبني ذكاؤك حازم. فعلا انا ما بجيب طاري العمل. بس صاحب العمل.
-ويش تقصد؟
-الحاج أبو راشد مشغول بصاحبك جاسم. ويفكر اشلون يرد له الجميل.
-ما اتصور جاسم ينتظر مكافأه على عمل الخير. انا أعرفه لا تحاول تغريه بالفلوس.
-حتى أكون واضح معاك يا حازم. الحاج يسألني:ليش جاسم مو متزوج في هالعمر؟
-عذرا شاكر، وش دخل هالموضوع في مساعدة جاسم لابو راشد؟ هذي موضوع خاص، ما له دخل بالحاج أبو راشد.
-أبو راشد يساعد جاسم في موضوع زواجه؟
-انا شخصيا أحتفظ بخصوصيات جاسم ولا أقبل انشرها، ولو لأبو راشد اللي احترمه وأرفعه على راسي.
- جاسم رجال بخير، وعزوفه عن الزواج مؤكد لوجود سبب، والحاج لو عرف السبب يمكن يساعده في الحل. وهذا ما يتعارض مع احتفاظك بخصوصيات جاسم واسراره. بس هذا الموضوع كله.
ويستطرد شاكر..
-جاسم ليه التقدير والاحترام عندنا كلنا، وخاصه ابو راشد، مو غايتنا إفشاء أسراره.. الله يهديك.
بدا الهدوء على حازم، كأنما صُبّ على رأسه ماء بارد.
-جاسم اتزوج ابنة خالته، وماتت الله يرحمها، ومنها ماتزوج أبدا.
-يعني كان يحبها، ومن ماتت أستعصم، وزهد في الزواج؟
-لا.. مو هذا القصد.
-عجل ويش القصد؟
شرع حازم يحكي قصة حب جاسم وإخلاصه لحبيبته، وكيف تحمل فراقها مرتين، حتى عرفه تفاصيلها.
- طيب ويش اسم هالمره؟
-فاطمة الهدار.
-من سترة؟
-ايه. ولكن وش عرفك؟
ضحك جاسم من هذه الصدفة العجيبة، فانتبه بعض الجالسين إليه، غير أنه لم يعرهم اهتماما.
وبصوت منخفض قال:
-هالمره مطلقة راشد!
بهت حازم صامتا وكأنما انعقد لسانه.
-طيب ليش ما تزوجها بعد ما طلقها راشد؟
-أتوقع جاسم ما يعرف بطلاقها من راشد!
-معقول!
-مؤكد يا صاحبي.
-الآن خل هالموضوع سر بينا، واشوف الحاج ويش يقول.
شوهد المقال 1803 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك