جعفر يعقوب - البناء العاشق -٦٥-
بواسطة 2015-06-23 00:03:14

جعفر يعقوب
بعد صلاة الفجر استعد الحاج حسن الإسكافي للبحر، بعد أن تعافى من مرضه بالكيّ عل يد عيسى بن سرحان.
حمل عدة عمله مع رفيقيه الحاج محمد بن حسن الذي قارب الستين و محمد الحمادي ذي التاسعة وأربعين سنة.
_لا تنسى الزواده والماي يا بو علي.
_خليتها في الصورم.
_بو إبراهيم، شلت المفركه لهباب لحيز، النو والحشيش مجمع عليهم ولا تنظفوا من مده.
_على كيفك يا ابن خال..
لم يعد الثلاثة في قوتهم وعنفوانهم، كما كانوا، لكنهم يجلدون أنفسهم فوق طاقتهم، هي جديّة العواجيز. كان سالم يقلهم في سيارته البيكب إلى البندر كل صبح، ويرجع إليهم قبل الزوال، إلاّ إنهم يأبون ترك البحر والخنوع للراحة.
ربما هو حب البحر يسري في عروقهم بعد هذا العمر الطويل، برغم ما أخذ من صحّتهم وسحب من قوتهم وزهرة شبابهم، وربما هو ضنك الحياة الذي يطاردهم، ويهددهم بالجوع وذلّ الفقر.
تبددت أحلامهم في البحر، وهو يصلي جلودهم بحرارة الشمس حينا، ويطلي ألوانهم السمر بلون الحياة القاتمة. وكم تركوا على أمواجه ذكريات أحبة غدرت بهم أمواج البحر، فأغرقتهم؛ ليتركوا خلفهم أرامل وأيتاما، ما فتئوا يعيشون حلم عودتهم حتى تعبوا من الانتظار.
عقدت المحكمة جلستها لتداول قضية البنك البريطاني المرفوعة على وكالة الرملي للأخشاب، وتخلفه عن سداد قرضه. بدأت المرافعة، فتقدم محاميه السيد علي الغريفي بتقديم المستندات بسداد المبلغ و إيداعه في حساب البنك. اضطلع القاضي حسن شحاته على الملف، وتهامس مع زميله. ساد القاعة صمت رهيب، ووجوم مخيف، سرعان ما قطعه صوت مطرقة القاضي الذي علّق بعدها مباشرة :
-بعد تسلم البنك جميع المبالغ المستحقة له من السيد حسن الرملي ضمن الفترة المحددة له، وقبل انتهاء الموعد
المعيّن لاحتجاز ممتلكات الوكالة، حكمت المحكمة بمباشرة وكالة الرملي لنشاطها التجاري، وبراءتها من أية التزامات ومطالبات للطرف الثاني -البنك البريطاني. وعليه تمّ إغلاق ملف القضيّة.
غمرت الفرحة قلب أبي راشد، وإلى جانبه شاكر، فاحتضنه بعناق الأب الذي رفع عن كاهله أطنانا من الحديد رزحت على صدره ردحا من الشهور، في هذه المرحلة الخريفية من عمره، وبادله حازم الشعور نفسه.
طافت عينه في مقاعد القاعة، ففهم حازم دلالة نظراته..
-الأستاذ جاسم امسافر مصر وبيرجع عصر الجمعه.
-تمنيت وجوده حتى أشكره بنفسي، صنيعه دين في رقبتي وانا عاجز عن رد فضله. واللي سواه عمل كبير ما يسويه الا ابن اصول.. نعم ابن اصول.
لم يجد حازم كلمات مناسبة للردّ، فقال بخجل من وقار الحاج أبي راشد:
- انت بمنزلة والد جاسم ، وخيرك سابق، وتستحق هالوقفه الطيبة.
اشتغلت الوكالة وبدأ أبو راشد يحضر فيها ساعات من النهار، لكن شاكر السرو هو عينها الثاقبة ويدها النافذة، يبنيها من جديد، مستعينا بمشاورة أبي راشد وخبرته الكبيرة.
لم يشغل تفكير الحاج أنّه كيف سينهض بالوكالة بعد نكستها، فهو مطمئن بأن علاقاته التجارية مازالت وثيقة، واستعادة هيبة الوكالة لن يكون صعبا عليه.
جاسم الإسكافي وحده هو من يشغل تفكيره، وكيف يرد جميله؟ هو أحسن إليه بدون أن يعرفه، فكيف يقابله بالمعروف نفسه؟
شعور بالوفاء لرجل الوفاء يعيش هواجسه أين ما كان، بل ليس غريبا حضور اسم جاسم الإسكافي على لسان أحد أفراد العائلة.
بعد سفرة الغذاء؛ حيث كانت عائلته كالعادة متحلقة به، كان في لحظة شرود، فقدّمت إليه أم راشد فنجان قهوته، كما يحب تناولها في هذا الوقت.
-ويش فيك يا بو راشد شارد، ويش فيه؟ الوكاله وانحلت مشكلتها!
-اللي شاغلني أعظم من الوكاله! هالرجال الشريف، خجلان من كرمه، اشلون أرد جميله يا أم راشد؟
-وش رايك تعزمه مع زوجته وأولاده؟
-مع زوجته.
- إيه. مع زوجته،
_بس هذي ما غيرها، جبتيها يا أم راشد. وين الغتره والعقال؟
-وين رايح يا بو راشد هالوقت؟
-الوكاله.
شوهد المقال 1407 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك