جعفر يعقوب - البناء العاشق -٦٢-
بواسطة 2015-06-17 23:21:12

جعفر يعقوب
في مطبخ عمل يشرف عليه جاسم بنفسه، ويتعاضد فيه علي أكبر، وشاكر السرو و حازم العبد الله، وفي وقت حرج انطلقت حركة دائبة تسويقا ومطالبة بالديون المستحقة وتأجيلا لبعض المتأخرات على الوكالة تكللت الجهود الدبلوماسية في تخيف درجة اللون الأحمر الذي يهدد الوكالة بالسقوط في براثن الإفلاس، ولكن يبقى القسط الأكبر من نصيب البنك، خمسة وعشرون ألف دينار يسعى علي أكبر لضمان توفيرها.
- هذا المبلغ المتوفر، والباقي ٢٥،٠٠٠ دينار. إمكانية الوكاله عاجزه
عن توفير المبلغ.
- كم المبلغ اللي ممكن نستخدمه من احتياطي شركتنا؟
- حاليا عشرة آلاف دينار.
- لو اقترضنا من البنك بقية المبلغ؟
- ما أنصح في الوقت الراهن بالقرض، لأنك بتدفع نسبة الربح معاه، وهذا راح يؤثر على خطة الميزانية بشكل كبير، خاصة مع استخدام الاحتياطي.
- والحل ؟
- ليش ما نشتري بقية الأخشاب من مخزن الوكاله، ونستخدم ثمنه في دفع مبلغ البنك؟ واحنا نبيع الأخشاب لعملائنا المقاولين في الإنشاءات والبناء، وفي هالحاله بنسخدم فقط جزء من الاحتياطي دون اللجوء للاستقراض من البنك.
- احسنت. اتصل لجميل الجشي وعلي السماك او رتب معاهم اجتماع على انفراد.
- وش يدور برأسك.
- علي السماك وقعت عليه مناقصة بناء مدرسة في السنابس، وبالتأكيد محتاج للخشب، وجميل عنده بناية من ثلاثة طوابق، وبالتاكيد حاجته للخشب، وممكن نتفاوض معهم بالسعر بدون النزول إلى سعر الخسارة.
- فكره مناسبه. تعتقد تحصل موافقتهم.
- عملاءنا الخاصين مصالحهم معناها واجد، كن مطمئن.
يدخل حازم مكتب جاسم بيده كاتلوجات لمنتوجات السيراميك ومواد البناء ..
- تابعت مع شركة كليوباتره أصناف الأطقم وطريقة التسديد والضمانات، وتقريبا أنهينا الإجراءات، يعني بعد شهر توصل البضاعة.
- جميل جدا. وش الجديد مع شاكر السرو؟
- ما في جديد يذكر. بس حالة الحاج تدهور.
- وين اولاده؟
- الكبير راشد كما تعرف بالسجن. وعنده ولد ثاني أصغر من راشد.
ويسترسل..
- مسكين الحاج نزلت عليه البلاوي وحده ورا وحده، من السرقه الى سجن ولده وطلاقه زوجة ابنه، ومرضه.
- طلاق زوجة من ؟
- زوجة راشد من شهرين.
- راشد امطلق زوجته؟
- ايه.
- ليش؟
- مشاكل بينهم، وراشد معروف انه متهوّر وعصبي.
- زوجته من أقاربه؟
- حسب ما خبرني شاكر أنها ستراويه.
- عسى عن صلاح وخير، عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
في عتمة الليل تسابيح، هكذا هي ليلة الجمعة في العتمات والمجالس .. في عتمة آل عتيق تراتيل القرآن يصدح بها الفتى الصغير جعفر بصوته العذب، فتنشر مزامير النور في غسق الليل، وتشيع سحابة السكينة على هؤلاء النفر الذين ذابوا في أضواء ليلة الجمعة في جوّ روحي.
ليلة الجمعة في قاموسهم تعني لهم الكثير، وفي ثقافتهم يؤمنون ببركاتها ونزول الملائكة تدوّن أسماء المتقربين في حضرة الخشوع، السائحين في سماء العبادة.
يشرع الحاج حسين القصاص بصوته عازفًا وحي دعاء كميل، فينساب الضوء يفتح أودية القلوب العطشى، ويسقي ظمأها بماء فرات ينهمر زلالا من كلمات الدعاء التي تفيض روحية البكائين..
"اَللّهُمَّ عَظُمَ بَلائي، وَ اَفْرَطَ بي سُوءُ حالي، وَ قَصُرَتْ بي اَعْمالي، وَ قَعَدَتْ بي اَغْلالي، وَ حَبَسَني عَنْ نَفْعي بُعْدُ اَمَلي، وَ خَدَعَتْنِي الدُّنْيا بِغُرُورِها، وَ نَفْسي بِجِنايَتِها، وَ مِطالي يا سَيِّدي فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أن لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي سُوءُ عَمَلي وَ فِعالي، وَ لا تَفْضَحْني بِخَفِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سِرّي، وَ لا تُعاجِلْني بِالْعُقُوبَةِ عَلى ما عَمِلْتُهُ في خَلَواتي مِنْ سُوءِ فِعْلي وَإساءَتي، وَدَوامِ تَفْريطي وَجَهالَتي، وَ كَثْرَةِ شَهَواتي وَ غَفْلَتي.." ترتفع شهقات البكاء، وأنين الخشوع حين تبرق عليهم ومضات حروف الدعاء حتى شطر من الليل، ليقضوا وترا من نوافله هجوعا في صلوات تقربهم من فيض رحمة الجلال التي تنسكب أضواؤها في عتمة الليل.
بعدها ينفتل الجمع أغلبه، إلاّ من نزر يمضون وقتهم في طيف من الأحاديث.
بينما يستعد الحاج عبد الله الإسكافي للذهاب لمنزله، بعد أن احتسى كأسًا من الشاي..
- وينك بعده الليل ؟
- قريب ينتصف الليل، وانا التعب امكسرني.
- إلا شخبار صحة الوالد، اتعافى؟
- بعده يشعر بلصداع في الراس، امعزم على الفصاد.
- ما عليه شر ابو عبد الله، خير وبركة هالديره. الله يكثر من امثاله، خيره غمر الجميع.
في ضحى الجمعة يأتي شاكرا عائدا الحاج حسن الرملي الذي أقعده المرض طريح فراشه..
- شحوالك يا حاج.
- الحمد لله .. حشرجة السعال تتصاعد من صدره، فيحبس أنفاسه عن الكلام.. ويلحظ شاكر الضعف على جسده، فيجهد على رفع معنوياته..
- صحه وسلامه، أول العافيه.. ما عليك شر..
- راضي بقدره يا ولدي.
بكلمات متقطعة..
- أكيد جاي تخبرني بحجز الوكاله.. هذا متوقعنه، وانت سوّيت اللي عليك..
يقاطعه شاكر رفقًا بصحته..
- لا يا حاج .. اليوم أقول لك اطمّن.. أولاد الحلال بعدهم موجودين.
- وش صار قول الصراحه، هانت عندي كل شي، ما يهمني اللي يصير؟
- يا حاج اطمن، الديون كلها بتوفيق الله بتتسدد. والوكاله ان شاء الله بتشتغل من جديد.
- كيف الديون بتتسدد، واحنا حتى ربع الديون ما نقدر نسددها.
- البركه في جاسم الاسكافي رجل الخير والمعروف، من سمع عن مشكلة ديون الوكاله، وخطط لسد الدين كله، وإن شاء الله الاسبوع الجاي تنحل أزمة ديون الوكاله.
- واحنا من وين بنسدد ليه ياولدي وانت شايف الحال؟
- هالامور كلها ببركة هالرجال الطيب بتنحل.
- ومن جاسم هذا؟
- ان شاء بشوفه وبتتعرف عليه عقب ما تقوم بالسلامه.
- الحمد لله، الشكر لك يارب .. ما نسيتني في محنتي، ولطفك بي ما في السراء والضراء .. الحمد لله. سلّم عليه يا ولدي شاكر، وقول له ومعروفك وجميلك في رقبة الحاح ما بينساه لك طول عمره..
- ان شاء الله تتعافى وتقوم بالسلامه، وترد يا حاج للعمل، احنا بدونك ما نسوّي شي.
- ما اظن يا ولدي فيني جلد اقابل الشغل.. والبركه فيك.
شوهد المقال 1554 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك