جعفر يعقوب - البناء العاشق -٥١-
بواسطة 2015-05-29 17:35:13

جعفر يعقوب
بدأ صِيتُ فاطمة ملاية ذات حنجرة ذهبية نغمًا وأداء ينتشر بين النسوة، والطلب عليها في مآتم النساء يزداد في مدار سترة، تتنقل بين مناطقها بين حين وآخر، فيستهويها كبارهن وصغارهن، حتى استأجر لها أبوها سيارة الحاج علي الصفاني لنقلها عند الحاجة.
فاطمة الآن، ليست هي فاطمة الأمس! تقرأ وتحفظ، ووقتها يتوزّع بين عملها في البيت إلى مساعدة لأمها وعملها ملاية تتوهج بريقًا وشهرة. وفاطمة أيضًا تطوي سجل الماضي، وتتصالح مع الحاضر، فتغمرها الراحة والسكينة، ماعدا إحساسًا واحدا يمرّ عليها بين حين وآخر ، يطرق نافذة قلبه، كلمّا لوّحت لها شجرة السدرة.
هو ذلك الشوق لحبيب هزّ غصنها، واختفى عنها شخصًا، لكن رماده لا يزال ساخنًا، تثمل على أريج ذكرياته، ويؤججها لهيب غرامه:
وتر طير العشق من صاح
أحبك يا عطر فوّاح
على اعيوني خيالك لاح
يناديني ابشفّة الأرواح
يشعر الحاج حسن الرملى بعذاب الضمير حين يتذكرها، أو يأتي ذكرها، فقد أضاع جوهرة ثمينة أغلى من المال الذي سُرق من صندوق الوكالة، وكلما طال ابتعادها عذّبه قلبه أكثر، فقد باتت معلّقة، وراشد لا يأبه لبعدها، وغير نادم على هجرها.
- يا ولدي حرام اللي تسوّيه في بنت الناس الأجاويد! والله يقول: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} .
فلازم تحدد قرارك، يا ترجعها على عصمتك أو تسرحها عن ذمتك، ما يصير تتركها معلّقة، والأمرلك ؟
- أنا ما أريد سجن يقيدني، چدي أنا مرتاح.
- عجل خبر الشيخ زين بالموضوع بأسرع وقت. كفايه ظلمتها يا راشد، ويمكن دعواتها سبب اللي صادنا، وإن كنت أشك أن قلبها الطيب يدعو علينا.
يخرج راشد من بيتهم، لكنه لم يعد يتحرك وحده أينما اتجه، فهناك ظلّ يتبعه، يمشي معه، يراقب خطواته، لكنّ راشد لم يلحظ ذلك، فهو مطمئن بأن خطة السرقة نجحت بعد سجن شاكر السرو.
عصرا بعد خروجه من الوكالة جاء لفرضة المنامة؛ ليقابل صديقه جويبر الذي كان في انتظاره على أحد الجالبوتات الراسية في الفرضة.
- هلا جويبر.
- اهلا بيك ارويشد.
- ويش اخبار صديقك التاجر، عسى قابلته؟
- ويش أقول لك .. رحت شركته، مو موجود، يقولون سافر يحضر بضاعه مهمه مهمه، لكن بعد أسبوع بيرجع.
- ويش هالخبر ! احنا لازم نشغّل الفلوس في المشروع.
- يا راشد .. على هونك .. الصبر زين، والانتظار في صالحنا، والحرامي راح السجن ما في شي يقلقنا.
قالها وهو يضحك.
- انت شايف چدي.
- ما عليك انت .. اطمن .. أنا أدور في السوق مكان مناسب لمكتب العقارات، مكان استراتيحي مثل ما يقولون، حتى نضرب ضربتنا في السوق ونصير من لكبار.
- زين .. نصبر ونشوف.
- لفلوس لا تحاتيها.. في الحفظ والصون.
- المهم انا رايح للبيت.
- الله وياك يا صديقي.
خطا راشد خطوات، بينما جويبر يتمتم:
- لمّا اتشوف حلمة اذنك يا ارويشد.
دخل المقدّم فريد متهلل الوجه على الضابط سالم الحمران..
- سلام، سيدي.
- وعليكم السلام. هذي الابتسامه وراها خبر مفرح.
- مفرح جدا جدا.
- فرحني معاك.
- أفاد المكلف بمراقبة راشد، أنّه قابل أمس قبل الغروب بساعة شخص اسمه جويبر مصلح جابر في فرضة المنامة، وهذا الشخص، سبق سجنه في قضايا متعددة، منها سرقات.
- يا سلام، هذا خبر تستحق هديه يا مقدم فريد.
- عسى الهديه ثمينه ( وهو يضحك).
- هديتك حلوى ساخنه، للتو وصلتني ههههه.
- بس هالهديه.
- الآن عليك تواصل مراقبة الاثنين، حتى نكشف ملابسات القضية، وربما نكتشف مفاجآت أخرى.
- تمام، سيدي.
شوهد المقال 1144 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك