جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٤٧-
بواسطة 2015-05-23 22:35:49

جعفر يعقوب
على ذات الطاولة في مطعم عبد الله اليماني يلتهم جويبر طبق الناشف ببقايا الخبز، ثم يرتشف شايًا بالحليب، ثم يلتفت إلى راشد الذي فرغ هو الآخر من فطوره:
- اليوم خل الدفع عليي رويشد.
- ما شاءالله عليك .. وش معنى اليوم تدفع؟
- ما يصير كل يوم تسبقني وتدفع.
- هذي وراها شي.. الكلب ما ينبح ببلاش.
- لا يا راشد.. مو لهالدرجه.
- قول وهات من الآخر. - والله خوفي على مصلحتك..
يبلع ريقه، ويمز شفتيه..
- ويش قلت عن مشروع الوكاله؟ شفت صديقي التاجر، وقال لي: مشروع العقارات مضمون وخساره يروح من عندكم.. ويحلف أنه بيساعدنا، ويعرف شيوخ كبار بيدلهم علينا.
- أدري مضمون، بس المشكله من وين نحصل ألف دينار؟
- أنا قلت لك ابحل وانت ما رضيت به.. نتسلّف المبلغ من أبوك وبعدين نرجعه بدون ما يدري.
- أخاف ننكشف وننفضح وهذا أبويي..
- أعرف كل هذا .. فكّر بمستقبلك.. الخطه بسيطه يا راشد.
- خلني أسمعها يا فالح.
- اسمع! بالليل انا وانت نروح الوكاله ندخل ونكسر صندوق التجوري وناخذ المبلغ ونطلع بدون ما أحد شاف ولا درى.
أنا ادخل وانت تراقب من بره.. مضمونه الخطه تنجح. والفلوس تبقى عندي في الحفظ والصون.
- واثق من نفسك.
- الثقه بالنفس طريق النجاح يا راشد.. خلّك قوي .. معاك جويبر صاحب الخبره.
- طيّب..أخاف نطب على رأسنا من أفكارك الجهنميه.
- بالليل الساعة احدعش نلتقي عند دكان الحواج أبو غازي.. وأنا عليي توفير عدة العمل ..
يضحك وهو يضرب على صدره معتدا بنفسه.
- يلا قوم اتأخرت على شغلي..
منح جويبر عبد الله اليماني دينارا، وهو يخاطبه مبتسمًا:
- خل الباقي على شانك.
خرجا من المطعم، وبعد برهة تحرّك شاب آخر يقرب من العشرين يرتدي بنطلونًا أسود وقميصا مخططا وقبعة زرقاء، بدت عليه هيئة بالية ورثّة، ربّما هي من طبيعة عمله.. ذاك هو رضي الخال.
خرج سريعًا من المطعم بعد أن رمى ثلاث ربيات على عبد الله اليماني، ما جعل اليماني يتمتم بلهجته:
- شبيه هالمگنون مستعگل؟
وريثما يصل راشد للوكالة كان رضي الخال قد سبقه وقدّم تقريره إلى شاكر السرو.
- أووه .. الله يخزي الشيطان .. نسيت أخبر الحاج عن هاللعين جويبر.
حمل حزمة من الأوراق والفواتير واتجه إلى مكتب الحاج حسن، بينما كان الحاج يستعد للخروج من مكتبه لقضاء حاجة ملحة.
- حاج هذه مستندات صرف تحتاج توقيعك، ومستند إيداع يحتاج توقيعك، وفي موضوع ضروري أريد أخبرك به.
- خير يا ولدي شاكر.. بس أجّل هالأوراق والموضوع إلى بكره .. الآن استخبرت عن وفاة السيد محمد الغريفي الله يرحمه، والواجب أحضر جنازته في مقبرة النعيم.
- الله يرحمه ..
- دير بالك يا ولدي على الشغل.
عقارب الساعة تقترب من الحادية عشرة جويبر على أهبة الاستعداد بجانب دكان الحواج أبو غازي في شارع الشيخ خلف العصفور الذي كان خاليا من المارّة في هذا الوقت، مغطيا رأسه بغطرة كشميرية، متجلببا بثوب سوداني فضفاض.
يصل راشد تتلاهف أنفاسه كمجنون مذعور..
- أحد يدري بك انك وين رحت.
- لا .. طلعت من البيت بدون أحد يشوفني.
- طلعت فهلوي يا رويشد. نمشي .. بعد ساعه الفلوس في ايدنا.
مشيا مسرعين باتجاه وكالة الاخشاب؛ لتنفيذ الخطة الشيطانية.
فتح راشد بوابة الوكالة.
- اوقف اهنا طالع الشارع، ولو حسّيت بحركه على طول نبهني.
دخل جويبر لسرقة الصندوق التجوري، وأوصد الباب خلفه، يحمل في يديه ثاقبا كهربائيا ومطرقة وإزميلا..
كان راشد يقف عند باب الوكالة ترتعد فرائصه، ويتصبب عرقًا؛ حيث الشارع يرفل في ظلام دامس، عدا من إضاءة خافتة تصدرها إنارة الشارع على استحياء.
بعد غصون ساعة خرج جويبر متهللا، جذب راشد من ثيابه بقوة..
- اسرع قبل ما ينتبه لينا أحد.
- ويش خلصت المهمه، وين الفلوس؟
- مش وانت ساكت، لا يسمعنا أحد.
اتجها نحو دهاليز المنامة، واختفيا سريعا.
شوهد المقال 1191 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك