جعفر يعقوب - البنّاء العاشق ٤٣-
بواسطة 2015-05-17 16:30:44

جعفر يعقوب
هو نهر القدر يجري بين ضفتين مختلفتين، يضع فاطمة في اختبار صعب.
فحدة راشد وغلظته تضيق الخناق عليها، وتحوّل حياتها جحيمًا. وفي الضفة الأخرى يفتح لها القدر كوّة مضيئة في قلوب حمواتها، يسبغ عليها حنانًا وحبًا من الجميع، عدا راشد الذي انحرفت عجلة حياته عن الجادة، وانقاد إلى طريق وعرٍ تنكّبت به السّبل فضلّ عن الدّرب السويّ. وكم تمنّت لو صلح حاله، واغتدى كأبيه في هيبته ورجاحته.
اقتربت من عمّها الحاج حسن الرملي بأدبها المعهود، وقبّلت رأسه، وتنحّت جانبا يلفّ جسدها مشمر مخضّر، حتى قمر وجهها، إلى جنب شهزلان الأخت الصغرى لراشد..
في الوقت الذي التمّ فيه شمل العائلة. نبست لها شهزلان ..
- هاي فرصتش، قولي لأبوي .
دفعتها فاطمة بحركة مداعبة، ولاذت بالصمت،
فمالت عليها شهزلان مرة ثانية، فنهرتها فاطمة بحركات وجهها حياء من عمّها. كان الحاج حسن يراقب من بعيد ما يدور بينهما، ويلحظ الغمز بينهما، فيلتفت إلى أم راشد..
- ويش عندهم البنات يتقشمرون مع بعضهم؟
- مين؟
- فاطمة وشهزلان !
- ما أدري بهم. من يقعدون مع بعض هذي عادتهم ضحك ومزحه.
- الله يسعدهم.
كان راشد مشغولا بالحديث مع أخوته، لكن لم يغب عنه ما يجري بين فاطمة وشهزلان.
تحركت شهزلان من مكانها باتجاه أبيها، وأسرت إليه في أذنه، ثم جلست إلى يمينه.
- وش هالخبر الطيّب!
قالها الحاج، فأصخّ الجميع؛ لسماع هذا الخبر.
- يعني عندنا في البيت ملايه كبيره واحنا ما ندري.
احمّر وجه فاطمة، وتصببت خجلا.
عقّبت شهزلان بسرعة:
- من ارتفع صوتها في المأتم كل النسوان استجنوا من حلاوة صوت فاطمه.. كل وحده تقول من هذي، وايطالعون فيها مستغربين، على رؤوسهم الطير.
- ما شاء الله.
وتضيف أم راشد إطراء على زوجة ابنها فاطمة:
- حتى الملايه زمزم استانست منها، تقول صوتها ناعم جميل كأن صوتها مزامير داوود.
الأنظار جميعها اتجهت لفاطمة، والعيون تغرقها بالرضا، غير أن راشد يفور صدره غضبًا وحنقًا، إلاّ إنّه آثر الصمت، لكنّ وجهه كان مرآيا لشحنات انزعاجه، بينما فاطمة يشعّ وجهها بخجل وقلبها يشرق متهللاً بما حولها.
- انا من زمان نفسي نسوي مأتم لأهل البيت في بيتنا، وهذي الفرصه جتنا يا أم راشد.
- هذي الخير والبركه يا بو راشد.
قفزت شهزلان من مكانها إلى حيث تجلس فاطمه وخاطبتها ممازحة:
- شفتين؟ مستحيه! الوالد بيسوّي لك مأتم تقرين فيه.
وهي تضحك فرحة.
قام راشد من مكانه مسرعًا، وخرج كأنما لم يرُق له الحديث من أساسه.
قال أخوه عادل بصوت مرتفع:
- وش فيه رويشد زعلان؟
وقف راشد أمام أسطوانة بهو البيت، يضرب عليها بقبضة يده تارة، ومرة ينفث دخان سيجارته أبو قطو، يبعث معها شررا يتطاير من صدره حنقًا على فاطمة التي تريد كسر رأيه.
- أعرف أحط رأسش في الرمل .. انتظري.. أنا لو إنت يا ...
على متن السحاب كانت تسبح طائرة الإيرباص 47G، وتتهادى بين الريح في سماء مدينة الضباب تمهيدا لهبوطها على مدرج مطار هيثرو، وجاسم إلى يمينه مستر جيمي دوجلاس في نشوة حلم ذهبي ..
شوهد المقال 1081 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك