جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٤٢-
بواسطة 2015-05-16 00:46:42

جعفر يعقوب
في ١٧ مارس ١٩٦٥ يروج الخبر في شركة بابكو أنّ الإدارة اختارت بعض الموظفين والعمال المتميزين في أقسامها للسفر مبتعثين إلى لندن للتدريب، من بينهم جاسم حسن الذي أظهر نباهة ملفتة، ومهارات مهنية عالية.
تسرّب الخبر بين المجالس بين فرحة غامرة وقلق استبد ببعضهم؛ خوفًا عليه من هوى البلاد الأجنبية الكافرة ومغريات الانحراف، فراح والده الحاج حسن يصارحه بقلقه ..
- لازم هالسفره ؟
- هذي رغبة الشركه يا ابي، وفرصه أتعلم واشوف.
- بلاد الأجانب فيها فساد واجد، والشباب اللي يروحون ليها يرجعون منحلين، النسوان والخمر والعربده في كل مكان.
- هذي زيارة عمل، وانا مو صغير، وفكري في راسي واعرف الصح من الغلط.
- الله الله في نفسك، وحافظ على صلاتك اودينك والله يوفقك يا ولدي، وانا أريدك رفعة رأس.
- إن شاء الله يا أبي تربيتك ولا تحاتي ..
في مجلس المختار مرّ الموضوع عابرا، لكن لم يفت المختار التعليق عن غبطته بهذه البعثة التي سيكون فيها شاب من المعامير، علّها تكون فاتحة خير.
في مجلس آل عباس كان الملا أحمد يرأى في سفر جاسم مخاطرة على دينه وآخرته، فالانجليز هم أعداء الدين وبلد الانحراف، والاختلاط بهم يورث السقوط في مستنقع الرذائل.
هزّ بعضهم رأسه موافقين الملا على كلامه، ثم استرسل:
- الزنا وشرب الخمر والمنكرات والعياذ بالله في شوارعهم وبيوتهم، هالسفر تهلكه " والقابض على دينه كالقابض على الجمر".
غير أن شباب المقهى أفاضوا في الموضوع بحضور جاسم، ووجدوا فيه مادة شائقة للحديث..
- ايه يبو محمد بتشوف هالحمران والعيون الزرقان، خوش عالم.
فيضحكون من كلام أحمد فطام. بينما يعقب جعفر أبو رقعة:
- جاسم ولا ترجع إلاّ وحده معاك من هالشقران، حتى انشوف وجه عدل في هالديره .
ويضيف يوسف عيسى:
- أنا بروح معاك أغيّر جوّ، وأشوف لي زوجه انجليزيه..
والجميع ينتشي بسمر ضاحك..
بينما يسرد عبد الرضا جاسم:
- أنا رحت العوالي قبل أسبوعين ويش شفت؟ نسوان وبيوت كشخه .. صراحه عالم مرتاحه، لا همّ ولا بلاوي، بس البلوى ما أعرف أرطن مثلهم.
ينهي مهدوي غرشة الكراش، ويضعها جانبًا:
- وياهم بتتعلم اللغات كلها يا حبيبي، حتى اللي مو مكتوب في الكتب، بتفهمه عالطاير.
يقطع جاسم كلام مهدوي..
- الشركه خبرتنا الغرض من السفر برنامج تدريبي ودورة دراسية شهر كامل وراجعين مو اللي في بالكم يا جماعه.
ويمكث جاسم معهم يشاركهم مرحهم وضحكهم في جزء من سهرتهم، ثمّ يغادر المقهى مع عبد الله حسن، والتمنيات تودعه بعودته سالمًا.
بعد أسبوع حزم جاسم حقيبة السفر، وقد بدأ في هيئة جديدة، ارتدى بنطلونًا ضيقًا يتسع عند القدمين وقميصًا مع معطف رمادي. كانت أمّه أوّل مودّعيه، بعد أن طبع على رأسها قبلة حانية، اتجه بعدها لأبيه، ثمّ لأخواته وأخوته واحدا تلو الآخر.
رافقه أخواه عبد الله وعلي إلى المطار، حيث استقلوا سيارة السيد عباس.
كان السيد في مسافة الطريق للمطار يتحدث كخبير سياحي يستعرض ما سمعه عن الأجانب وبعض الطرائف التي سمعها عنهم، لكن جاسم يهيم بخياله في وادٍ آخر، مذ عبرت السيارة شارع سترة المؤدي للمطار، متخيلا فاطمة تودعه بيديها بابتسامتها العذبة، وهو يشير لها بيده، على أمل العودة إليها.
شوهد المقال 958 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك