صحيفة الوطن الجزائري : جعفر يعقوب - البناء العاشق -١٤- جعفر يعقوب - البناء العاشق -١٤- ================================================================================ randi on 02:11 25.03.2015 جعفر يعقوب بعد أربعة عشر يومًا على زواج لم تنل منه سوى تغيير حالتها الاجتماعية، ولم تنهل منه سوى الخيبة مع زوج يعيش معها باردا، خبت فيه نكهة الرجولة التي وُعدت بها، فلم تعد حميدته إلا ديكورا يتستّر به عن كلام الناس، كفانوس يتدلى في فرشتها بلا بريق..- آه لحظي العاثر ! في زيارة صديقتها صفية الصافية التي تقول عنها حميدة كلما التقت بها: - أنت أجمل ما حصلت عليه في هالدنيا. هي صديقتها، ومستودع سرّها منذ عرفتها وهي صغيرة وجارتها التي لعبت معها في أزقة الفريق، في الحيّ الوسطى من الديرة، وفي البيت العود نقشت معها ذكريات لا تُنسى كانت زاهية بمرح الطفولة وألعاب البنات، فلا عجب أن تكون لصيقة بها، وقريبة إلى قلبها. خلت بها في الفرشة، وكانت سعيدة لأجلها، فهمستها ضاحكة مازحة: - ماذا فعلت بالخرقة الحمراء؟ فانكسفت خجلا، واحمرّت وجناتها حياء وحزنا، وجفلت كالخشبة، حين طرق سمعها هذا السؤال الذي طالما تهرّبت منه حين تلحّ عليه عمّتها وأقاربها، وخاصة في صبح الصّباحية، وما عسى أن تقول لهن؟ فتغمغم حميدة، وتنكس رأسها، فترنو إليها صفية بنظرة حانية، وهي تدنو منها: - حميدة ! وانفجرت حميدة باكية، فضمتها صفية بشفقة، وهي ترى عبراتها تنسكب على خديها الأسيلين، وهي تنحب نحيب الفاقد الموتور، حتى هدّأت روعتها، وأطفأت نيرانها المسجورة .. وبصوت منكسر قصت حميدة وجعها المكنون في صدرها، وهي تتأوه تأوّه الملدوغ، وصفية تصغي إليها متألمة لحال صديقتها التي تغبطها البنات بجاسم. - ربما أصابته عين الحاسدين! .. تعلقي يا مرة لو تحت شجرة .. ثم تمتمت: -اصبري فربما يتحسّن حاله بعد الحوّال! أطلقت تنهداتها الساخنة، ونشّفت دموعها، ونهضتا استعدادا للحوّال، فالآن عليها أن تستعد لجمع ثيابها وعطوراتها، وأغراضها الثمينة، لتنتقل إلى بيت زوجها في موكب مهيب. تحلت بقلادة ذهبية، وبعضا من الحلي والأساور، وتطيبت بعطر خاص، ومداخن البخور. تملأ غرفتها، بينما كانت صفيّة تشرف عليها، وتساعدها على ترتيب حاجاتها، وتضعها في صندوق مبيّت. لم يدم الوقت طويلا، حتى اجتمعت النسوة في باحة البيت بانتظار خروج العروس، يستقبلنها بالتتبيت والجلوات الشعبية في جوٍّ بهيج، ويومين عليها قطعًا نقدية ومشمومًا وبعضًا من الحلويات.. رحنا وجينا بها رحنا وجينا بها أَمَّا تكثرون الممروس وإلا ردينا بها سبعة خواتم على السارية قومي اطلعي له يالغالية وينطلق موكب الفرح يقطع الطرق إلى بيت الإسكافي، فقد تمّت تهيئة غرفة خاصة لهما، ودعوات القلوب تهمس بأن ترفَ عليها طيور السعادة، وأن يملأ بيتهما بالبنين والبنات .. لكنهن لا يعلمن شيئا عن تلك العروس المجروحة، سوى صديقتها التي بدت على وجهها سحابة حزن. وجاسم غارق في وادٍ من الحزن، يحرّك بيديه سبحته، ينتظر لحظة وصوله لبيتهم؛ ليرمي ثقلا من فوق كاهله، ويتخلص من غصصٍ حبست أنفاسه بين أقرانه وأصحابه، كما يفعل في كلّ نهارات زواجه التي قضاها في بيت حماه .