جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -١٣-
بواسطة 2015-03-24 00:17:08

جعفر يعقوب
انقضى أسبوع وحان يوم الدوّاس، والعروسان غريبان، تحسبهما معًا وهما بعيدان، لا يجمعهما سوى مكان وفرشة مؤثثة، ولكنها خلت من بهجة العرس، كلما اقتربت حميدة، لم يمكنها جاسم منه، فلا تجد منه إلاّ إعراضًا وصدّا لا تعرف له سببا..
ملامحه القمحية تذوي غروبا، ووجهه تنطفئ مصابيح سروره، يجنُّ عليه الليل فيتخذ سماءه وجهة لسمره، يحدّق فيها طويلا، مستغرقا في نجومها؛ يناجيها بسرّه متبتلاً، حتى يعيا تعبًا، فيستسلم للنوم مكرهًا.
نهضت حميدة باكرًا، لتستعدّ ليوم دوّاسها، فقد أقبل أهل زوجها، تقدمهم أم العروس وأخواته، متفائلة بطقوس قد تغيّر مجرى حياتها إلى ما تأمله، وتتوق إليها نفسها المتعبة..
جلست كملكة محفوفة بالنساء، وهن يغنّين الجلوات والتواشيح، ثم وضعت رجليها في طشت معدني، وأخذت أم جاسم تسكب الماء المعطر على رجليها، ثم تمشت تذرع البيت ، وفي يدها إبريق الماء ترشّ قطرات الماء هنا وهناك ؛ لتعمّ بركتها أنحاء البيت، ثم تنعطف ناحية بعض جدران الطوب ، فتمسحها بدهن في يديها، تفاؤلا ببقاء الزوجة الجديدة في بيتها مدى الحياة، فأشاعت في قلبها كوّة من أمل جديد.
وكما تيتّمت حميدة وهي لم تتجاوز العاشرة، حين تركتها وحدها للأقدار، فها هي اليوم وحيدة أيضا، تحبس في فؤادها المرهف لواعج من الغمّ في مستهلّ حياتها الجديدة، والحزن ينشب مخالبه الحادّة في قلبها، وهي عروس لم يتحرك بها قطار الحياة بعد، فلمن تبيح بقصتها وأصفاد الخوف تكبل لسانها عن البوح بمرارتها مع زوجها وابن خالتها الذي فضلته على غيره، وهي التي تخشى الفضيحة بين الناس؟
وما عساهم يقولون عنها إلاّ أنها شؤم، تطلّقت سريعًا، وتقذفها ألسن النساء بالعيوب وشتّى الألقاب.
فما تجد إلا الدموع وسيلة تحرق بها حطب أحزانها.
شوهد المقال 1253 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك