جعفر يعقوب - البناء العاشق - ١٢-
بواسطة 2015-03-23 01:03:45

جعفر يعقوب
في ليلة الدخلة أوصد باب فرشته بالمزلاج، وها هي حميدة العروس جالسة على فراش قطني مطرز بالنقوش، وراوئح البخور العمانية يفوح عبقها، وطيب فضاء الغرفة الصغيرة. لكنها لم تحرّك شيئا من هيئة جلوسها، وهي تتغطى بمشمر أخضر مطرز بالخيوط الذهبية فوق ثوب النشل بانتظار أن يرفعه جاسم عنها، ويكشف عن حسنها، ليرى عروسه كما تمناها بجمالها ونضارة سحرها، وهي تتصبب خجلا وحياء. اقترب منها بخطوات وبصوت خافض:
- السلام عليكم.. مبروك يا عروس ..
وبحياء العروس أجابت:
- وعليكم السلام .. ولم ترفع عيونها إليه.
ثم مشى خطوتين، وجلس على طرف كرفاية النوم ( سرير الزوجية) تتدلى منها ستائر زاهية ملوّنة، وبقى صامتًا.
أحسّت حميدة بسكاكين تقطّع أنياط قلبها وتفري أحشاءها، وهي التي تتوقع في ليلة العمر شيئا آخر، بل كانت تشعر بقلق من مغامرة تلك الليلة، وصفتها لها صديقتها التي تزوجت قبلها ببضعة شهور، أو كما وصفت لها الداية بالتفصيل الدقيق حتى تصببت عرقًا.
أعياها التعب وهي تنتظر منه جرأته على فتح كتاب لم تقرأه من قبل، ومعرفة أسرار لا عهد لها بها.. حتى أخذ اليأس يدب إليها وينشر عليها شباكه العنكبوتية..
طفرت دمعة من عينها حملت كل ما يعتمل في قلبها من حسرة وألم، وامتزجت بكحل عينها حتى غرقت بدموعها بنشيج من لهيب قلبها المكسور كالإبريق.
كانت الشموع تسترق أنينها وترقص على وقع جرحها وقلبها المتثلّم، وإبريق الماء الفضي، ووجبة العشاء التي أعدّت للعروسين بلا نكهة ولا طعم .. حتى هو - وهو يشيح بوجهه - لم يقترب النوم من جفنيه، رغم جسده المتعب، وهل يلامس النوم جفنا يتعذب كالسجين، وقلبا تحطمت أحشاؤه مرارة لإمرأة يسقيها كؤوس الغمّ بلا ذنب إلاّ إنها فُرِضَت عليه زوجة وشريكة حياة بلا رغبته؟ فذاقت علقم الحزن بلا جريرة سوى أنها رضيت به زوجًا!
وما حيلته هو وقلبه يتمزق لفراق فاطمة التي أحبها واختارها قلبه طوعًا؟
ولا تزال تنتظره؟ كيف له أن ينهي عذابهما؟ ما أقساه هذا الليل الثقيل يدب بطيئا موحشًا! متى تتسلسل خيوط الفجر، وترفع الصبّاحية نوافذها؛ ليفرّ من عذابات هذه الليلاء المقفهرة!
نزلت الشمس، فجاءت النسوة لبيت العروس يحملن على رؤوسهن زبلان الخوص مملوءة بالخبز والحلوى الطازجة والمشموم، ويؤدين الطقوس الشعبية التي يتعارفون عليها ب" الدستار "في صباح الصبحة متفائلين بأصبوحة هنيئة وزواجًا ميمونًا للعروسين
شوهد المقال 1671 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك