صحيفة الوطن الجزائري : جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -١١- جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -١١- ================================================================================ randi on 12:58 22.03.2015 جعفر يعقوب السماء تتلبد سحبًا سوداء، تتدافع على بعضها، والريح تنثر أزيزا تتناغم معه النوافذ الخشبية، وأغصان شجرة السّدرة تضطرب، وأوارقها تتساقط واحدا تلو أخرى، وفناء البيت خال تلعب فيه الريح كيف شاءت، عدا فاطمة التي وقفت تتشبث بشجرة السّدرة بقوة، حتى لا تجرفها ريح العاصفة، وكأنها تصارع من أجل البقاء في هلع وذعر، وصوت الرعد يزمجر بقسوة بعيون كأنها جمالات صفر ترمي بشرر كالقصر، فيزيد إصرار فاطمة على حضن جذع السدرة بما أوتيت من قوة تحتمي بها من سياط العاصفة الهائجة. ومع لمعان البرق تهطل جيوب السماء بغزارة تغمر فناء البيت، ورويدا رويدا تنقشع السحب الداكنة، وتفرّ الغيوم مذعورة، فتبتسم الشمس، وهي تطلّ بوجهها الضحوك، في نشوة مفعمة بالأمل.استيقظت فاطمة من حلمها هلعة مضطربة من هذا الكابوس الذي بددّ رغد نومها، فهبّت خائفة تتلمس حائطا تعتمد عليه، وأضواء الغرفة خافتة تتجاوب مع الكابوس المخيف.خرجت من الغرفة، بينما عاتكة تمازح أمها التي انتصفت العقد الثالث من عمرها، وبمرحها المعهود مالت نحو أمها التي أنهكتها أعمال البيت، وما زالت ترتب بعضًا من أواني مطبخها المتواضع بعد أن تناولت العائلة عشاءها بغياب عميد العائلة، وقالت مبتسمة: - وين الوالد أبو ناصر غايب الليلة؟ ما حضر على العشا؟ هذا مو من عوايده؟ - راح المعامير مدعو على وليمة معاريس. - معاريس ؟ الله الله ! واقتربت من عاتكة تهمسها: - اخفضي صوتك ! لا تسمع أختك! - الليلة زواج جاسم ؟ - حبيب فطومة ؟ أوووو الليلة؟ يا ويلي. - نعم .. لا تخبري أختك. كانت فاطمة تضع رجلها على عتبة المطبخ وكلمات الأم تطرق سمعها، فنظرن لها بدهشة وصمت خائفتين. أما فاطمة، فوقفت واجمة برهة متجمدة كالتي أصابها مسّ من السحر، فأر ادت أم ناصر أن تغيّر الموضوع بسرعة مرتبكة، فتشاغلت بعملها. وعاتكة تتسمّر كخشبة في مكانها، فلم تنبس بكلمة وعيونها تدور بين أمها وأختها. وقفت فاطمة للحظات على الباب تترنَح كورقة تلعب بها الريح، وهي تنظر لهن ذاهلة،مقبوضة مخنوقة، كأنما جبل يثقل على صدرها، فسقطت على الأرض مغشيًا عليها، فصرخت أمها، وهرعت إليها، وهي تصرخ: - بنتي .. ماتت بنتي ! وهوت عليها معولة تضمها إلى صدرها، وتلملم جسدها النحيف إليها ناحبة: - فطوم فطوم .. خرجت بقية العائلة أخوة وأخوات مفزوعين من الغرف على صراخ الأم التي رأوها ممدّدة على الأرض محتضنة فاطمتها العزيزة فتجاوبوا مع صرختها تكاد قلوبهم تطير من الرعب.