صحيفة الوطن الجزائري : جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٧- جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٧- ================================================================================ randi on 03:41 17.03.2015 جعفر يعقوب ينطق الحاج عبد الله من الصباح الباكر إلى عمله لوضع اللمسات الأخيرة على عمله في بيت الهدار، بصحبة رفيقيه، ولكن تخلف واحد فقط، نعم، هو جاسم الذي أقعده الحمى، وأعاقه المرض. جمنذ الجمعة المنصرم؛ لم يبدُ العريس الشاب كما كان في فتوته وأريحيته، مغموما يحمل على قلبه جبلا من الحزن، وسحابة سوداء تكسو وجهه القمحي. يجلس طويلا لوحده منعزلا عن أقرانه، ولم تعد تستويه مشاركة أصدقائه في رحلة صيد الطيور البرية، وهو الذي يحترفها أكثر من غيره، ويعرف حبائلها، ويجيد حركاتها كصائد هاوٍ ومعلم خبير بفنه. انقلبت حياته إلى نكد غير معهود به، ولم أحد يعرف سرّ هذا التحوّل، فقط أخوه عبد الله يدرك شيئا من الحقيقة، وإن لم يجزم بها. وأصدقاؤه يستفزونه على الكلام عن حياته الجديدة وسعادة الخطوبة مع شريكة الحب فيلوذ بالصمت، والإعراض، فيعلقون مازحين .. - الخطوبة أسرار يا جماعة، بس كلها حلاوة . - علمنا يا جاسم من هالأسرار، حتى نستعد للزواج. - متى يجي موعدنا؟ متى نشوف النعيم. فيضحك الجميع مستمتعين في أمسية يكون جاسم نكهة متعتها.. وأحيانا ترتفع القهقهات يشارك فيها جاسم بتعليقاته الساخرة أيضا، فتروّح عن نفسه التي ضاقت بها الدنيا، كلما عاش في صراع مرير بين ما يريده قلبه، متعلقًا بفاطمة، وواجبه نحو خطيبته وابنة خالته التي يرى أنه جنى عليها بصمته وخضوعه لإرادة عائلته، وسلطة أبيه، وهو الذي كثيرا ما تمرد على الأوامر أو عبّر عن انزعاجه. ففي كلا الحالتين هو جانٍ عليهما، لكن هواه مع فاطمة، فقد سكنت قلبه، ولوّنته بطيف نسائمها ورقة أحاسيسها ونظراتها الشاعرية الدافئة، فهي حاضرة معه رغم بعدها، يستحضر مشهد لقاءاته معها، يستنطقها في مخيلته، فتضحك روحه محلقة في سرب من السعادة. وحميدة اللطيفة المهذبة تقترب من جاسم، فتشعر أنه بعيد منها، غريب عنها، وهي ابنة السادسة عشرة ربيعا تغرق في حلم جميل، وتغرس الأمل في نفسها بأن تعيشه مع جاسم، لكنها تجد هذا الأمل بعيدا، وتأمّل أن تكون تلك هي البداية فقط، وربما هو الحياء الذي يبعده عنها، وريثما يزول يعود جاسم فارسها الذي تطير معه على جناحيه ويحلق بها في سماء البساتين أو يطيران معا وراء أسراب النوارس المهاجرة في بهجة دافئة، ويضمها لصدره فتنتشي كزهرة برية هطلت عليها غيمات الربيع فكستها هيئة ساحرة وجمالا بديعا.