جعفر يعقوب - البناء العاشق - ٦ -
بواسطة 2015-03-15 20:03:09

جعفر يعقوب
في مجلس الحاج حسن الاسكافي حيث يلتقي لفيف من المقربين منه وأهله كل ليلة، وعصر الجمعة، فهو رجل اقترب من الستين، وذو مكانة مغبوط عليها بين أهل القرية، فهو نوخذة مشهور، وله تقدير ووجاهة، لذا يؤم مجلسه مختلف الناس وسائر الطبقات من غنيهم وفقيرهم.
وعلى العادة يوم الجمعة يكون من بين الحاضرين الملا أحمد لقراءة مجلس العزاء والندبة على مصائب أهل البيت، كما تشتهر بمجلس الحسين حيث يرتقي الملا أحمد منبرا صغيرا، ويقرأ أبيات النعي على سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب.
وممن كان بين الحضور هذه المرة صالح زوج المرحومة حليمة ( والد حميدة المسماة لجاسم منذ صغرها) .. بعد الانتهاء من مجلس التعزية، شرع الحاضرون بتناول الخبيص المنثور ( طعام بركة ثواب التعزية) ويشربون الشاي والقهوة، ويرشف بعضهم من الكبار الغليون، وهم يتحدثون في مواضيع شتى .
كان الحاج عيسى يهمس في أذن صالح حديثا، ثمّ رفع صوته مناديا علي .. علي (الأخ الذي يصغر جاسم بسنتين تقريبا)، فاقترب علي منه، وجثا بين يديه..
- وين أخوك جاسم ؟
- أعتقد في ملعب الكوره في الرمليه..
- روح إليه بسرعة وقوله له أبوك يريدك الآن .. عجل يا ولدي.
- حاضر ..
لم يمر الوقت طويلا، وإذا جاسم في المجلس مستغربا من إحضاره من الملعب برغبة ملحة من أبيه.
- اقعد يا جاسم .. ذلك صوت الحاج عيسى..افترش جاسم الأرض في ناحية..
- يا ولدي جاسم .. أنا وزوج خالتك صالح اتفقنا على أن نزوجك بنت خالتك حميدة .. ويش تقول ؟؟؟
صدم كلام الحاج عيسى الذي جاء على حين غرة قلب ابنه اليافع جاسم، فاحتارت الكلمات في لسانه، وصمت مدهوشا، فبادره صوت أحد الجالسين:
- مبروك يا الولد .. عساه زواج ميمون ..
وتلاه آخر :
- الولد صغير يستحي .. مبروك.
وتتالت الأصوات تهنئ للولد وأبيه مشروع الخطبة ..
أما جاسم فوجم إلى حدّ الخرس، ولكن ماذا يقول؟ وكيف يعبر عن رفضه أمام هذا الجمع، وهو لم يستفق من الدهشة بعد!
- على بركة الله .. قالها الملا أحمد وهو يخرج دفترا وقلما من جيب صدريّته ليباشر كتابة عقد زواج جاسم وحميدة.
لزم جاسم الصمت أدبا يمتزج بالرهبة، فماذا سيقول في حضرة أبيها، لم يتعوّد على الخروج عن جلباب أبيه، فكيف يحرجه ؟ وكيف يفهمه أن يحب ابنة سترة الملاك الطاهرة التي دخلت إلى قلبه، فبادلته النظرات بإشارة الموافقة على مبادلة حبّه بحب؟ كيف له أن يكسر قلبها ، ويتمردّ على مشاعره، صمت منكسرا عاجزا، فكيف له أن ينظر إليها بعد اليوم؟ وهو الذي ما فتئ يفكر كيف يسقي وردة حبّه؟ ويظللها بوارف دفئه ومشاعره الصادقة؟؟؟
كانت كلمات أبيه الخنجر الذي انغرس في قلبه، دون أن يستطيع منعه، أو وقف نزيفه المتدفق قاني جرحه وغزارة مشاعره، بينما كانت حميدة تنتظر لحظة العقد، فقدت أبدت موافقتها على جاسم حين حدثها أبوها عن رغبه الحاج حسن الاسكافي
بمصاهرته وخطوبتها لجاسم، وإن أبدت حياء وخجلا فهم منه والدها بموافقتها، وهو ابن خالتها، وتلك أمنية أمها عندما كانوا يصيفون معا في هورة سند.
شوهد المقال 1058 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك