جعفر يعقوب - البنّاء العاشق -٤-
بواسطة 2015-03-13 09:18:39

جعفر يعقوب
تفجرت أسارير جاسم بعد أن رآها رغم الخجل الذي لوّن سحنته القمحيّة وأخرس لسانه، لكنه رآها بعينها، وهذا يعني له الكثير ويختصر السؤال عليه، فهي ابنة الحاج أحمد الهدار، ذلك الرجل البسيط الذي لا تفارق الضحكة شفتيه، ولا تراه إلا مداعبا خفيف الظلّ، نعم، إنه عرف العنوان، وماذا عليه سوى أن يلفت انتباها إليه، ويمهد الطريق للزواج منها، هي ما كان يبحث عنه، لقد وجد ضالته، ولكن كيف ؟ كيف؟ سأل نفسه عابرا كلمح البصر، وعكف يحمل أسطال الرمل واحدا بعد واحد، غير عابئ بثقله.
ومرت الأيام، وهو يراقب بنظراته البيت داخلا وخارجًا، حتى غدت بينهم وأصحاب البيت ألفة، وكم تحيّن فرصة سانحة ليسأل أخاه الأكبر خلال عمله أو في الذهاب أو الإياب عن عائلة الهدار، وكم سرّ قلبه حين يسمع من أخيه تمجيدا وإطراءً عن تلك العائلة البسيطة، ولم يغب عن بال الحاج عبد الله كثرة سؤاله ورغبته في معرفة الكثير عنهم، ففاجأه ذات مرة:
- وش عندك تسأل؟ هل يهمّونك؟
فتلكأ الشاب في ردّه متحيرا، وقال:
- لا .. لا .. مجرد سؤال.
لم يشعر الحاج عبد الله براحة من استرسال أخيه في جمع بيانات بيت الهدار سؤالا بعد سؤال، وكأنه فهم ما يرمي إليه أخوه الصغير، وأدرك مسعاه، ذلك أن الحاج عبد الله يعلم أن أباه الحاج عيسى قد همس لخاله برغبته أن يزوّج جاسم من ابنة خاله حميدة. لكنه لم يشأ أن يتقدم على أبيه في هذا الموضوع، فيخبر جاسم بهذه المفاجأة.
قرأ جاسم ردّ أخيه الحاج عبد الله ما صدمه، وحدّ من اندفاعه، مقررا أن يعبّد طريق حبّه، ويفرشه يزنابق الورد، حتى إذا وثّق وشائج الوصال مع الحبيبة التي تتوقّد مشاعره نحوها يوما بعد يوم، حينها يفاتح أباه وأخوته بهذه الخطبة المباركة.. إنه يعي الآن أن ثمّت أكواما من الحجارة تسدّ الطريق إليها، لكنه واثق بأنه سيفعل شيئا ليحقق ما يريد.
الفتى العاشق لا تغيب عنها صورتها، في الليل هي ملاك يأتيه ليبدد وحشة الليل، وينثر عليها ياسمينات ناصعة البياض تتوقد زيتونتها شذى عبقًا، وهي في النهار نسمة باردة تخفف عنه زحمة العمل الشاق كلما رأى شبحها ولو من بعيد.
ويزداد عنادا بأن يفعل شيئا، فالأيام تمضي والعمل في بيت الهدار يكاد ينتهي.
لكنه هذه المرة وجد سببا ليحادثها، فقنينة الماء لم تبق فيها سوى قطرات والجو لاهوب لا يحتمل، والحاجة للماء البارد أضحت ماسة ليواصلوا عملهم..
اقترب منها وقال:
- السلام عليكم .. ولم ينتظر ردها، فقد كان صوتها خافضًا، لا يكاد يسمع منه إلا حسيسًا..
- الماء نفذ .. هل يمكنك إحضار ماء باردا؟
ذهبت ولم تغب طويلا، قفلت تحمل قنينة الماء البارد، وسلمته ليديه..
- شكرا ..
وبحياء ردت : عفوا .
- ما اسمك ؟
- فاطمة .. واتجهت نحو إحدى غرف البيت.
طار فرحًا، وأخيرا عرف اسمها، وكلمها مقتربًا منها، ولم تخفَ عليه نظراتها باستحياء، لكنه فهم منها الكثير.
.....
شوهد المقال 919 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك