نجيب بلحيمر ـ سعد الدين مرزوق.. مهمة منجزة مع مرتبة الشرف
بواسطة 2021-04-07 01:48:56

نجيب بلحيمر
اليوم هو السادس من أفريل، موعد مثول القاضي الموقوف عن العمل سعد الدين مرزوق أمام المجلس الأعلى للقضاء (الأرجح أن تتأجل محاكمته بسبب غياب رئيس المحكمة العليا لظروف قاهرة)، وعشية محاكمة القاضي الذي ارتبط اسمه بالسلمية، ورفع المتظاهرون صوره الجمعة الماضية تأكيدا للتضامن معه، أصدرت محكمتا باب الواد وسيدي محمد بالعاصمة أوامر بإيداع ثلاثة وعشرين متظاهرا الحبس الاحتياطي كما أودع متظاهر آخر الحبس الاحتياطي بأمر من محكمة الشلف.
كان يوما حزينا يذكرنا باعتقالات سنة 2019 عندما زج بالعشرات من المتظاهرين السلميين في السجون، ونال معظمهم البراءة في فترات لاحقة، وقد أعادتنا التهم الموحدة التي يلاحق بها هؤلاء المعتقلون إلى حديث توريط القضاء في مواجهة السلطة لمواطنين يصرون على مطالب الحريات والديمقراطية ودولة القانون.
يلاحق سعد الدين مرزوق بتهمة خرق واجب التحفظ، وسبق للمجلس أن تابعه في ملفين آخرين برأه في واحد وعاقبه في آخر بالتوقيف عن العمل مدة ستة أشهر مع الاستفادة من نصف الراتب بحسب تقدير المجلس التأديبي للقضاة، وحتى إن كانت وضعيته المهنية غامضة من الناحية القانونية كما يؤكد الأستاذ عبد القادر خضير، المختص في النظام التأديبي للقضاة في الجزائر، والذي يقول إن وضعية القاضي مرزوق تتطلب المساءلة الفقهية والقانونية باعتبارها سابقة، فإن المؤكد أن كل ما جرى للقاضي كان يهدف إلى إبقائه خارج مهنة القضاء طيلة فترة تجاوزت سنة لم يمارس خلالها عمله.
لا جديد في القول بأن القضاء غير مستقل، يقر بهذا كثير من القضاة ومنهم رئيس نقابة القضاة التي لا تبدي تضامنها مع زميل المهنة، لكن لماذا تحول سعد الدين مرزوق إلى هدف مباشر للسلطة؟ لا توجد إجابة في القانون، فالحديث عن خرق واجب التحفظ يسقطه التدخل المباشر في عمل القضاء من خلال إصدار قرارات الإفراج من طرف السلطة التنفيذية تحت عنوان "عفو رئاسي" تحول في مرتين على الأقل إلى تجاوز صريح للقانون باعتراف رئيس نقابة القضاة وبشهادات المحامين، وسقط أيضا من خلال تصريحات تؤثر على قضايا كانت قيد التحقيق مثلما حدث عندما وصف عبد المجيد تبون الصحافي خالد درارني بالخبارجي قبل محاكمته، وعندما أطلق وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة تصريحات تخص الصحافي وتؤثر بشكل صريح على محاكمته وتمهد لتلك العقوبة الثقيلة التي وقعت عليه ليتم الإفراج عنه تحت مسمى العفو قبل أن تصدر المحكمة العليا قرارها بإعادة محاكمته، ويضاف إلى ذلك كله قرارات وزير العدل وتصريحاته.
صحيح أن انحياز سعد الدين مرزوق إلى سلمية الشعب الجزائري، وإعلانه الصريح، باسم نادي القضاة، رفض تأطير انتخابات 4 جويلية 2019 الملغاة ثم انتخابات 12 ديسمبر 2019 تعتبر مواقف جريئة لا يمكن أن تتسامح معها سلطة ترفض فكرة استقلالية القضاء من الأساس، لكن أهم ما فعله هو هذا السعي إلى العمل المنظم من خلال تنظيم نقابي جديد جاء 22 فيفري ليقدم له السند، فالمواقف الشخصية يمكن احتواؤها لكن العمل المنظم المستقل لا يمكن أن يسمح به نظام كان هدفه منذ الاستقلال منع المجتمع من أن ينظم نفسه بشكل مستقل عن السلطة السياسية وبعيدا عن رقابتها، ومن هذه الزاوية كان القاضي مرزوق يمثل خطرا على سلطة تسعى دائما إلى السيطرة على القضاء والتحكم فيه.
ثم إن القاضي مرزوق يرشد بقية القضاة إلى الطريق، فالأمر لا يتطلب اتخاذ مواقف سياسية علنية بل يكفي تطبيق القانون وعدم الخضوع لغير الضمير، ومن هذه الزاوية فكل قاض يملك فرصة لخوض معركة استقلالية القضاء مع كل قضية ينظر فيها ويصدر حكمه بشأنها، وهذه عدوى لا تريد لها السلطة أن تنتشر لأنها تفتح الباب أمام متاعب لا حصر لها تصعب من احتواء إصرار الجزائريين على إحداث التغيير الذي يناضلون من أجله.
يشعر الجزائريون بحجم التضحية التي قدمها القاضي مرزوق، ولذلك فقد كان التضامن معه واسعا في المظاهرات السلمية التي خرجت الجمعة الماضية، وحضرت صوره في مختلف الولايات وقد كتب عليها "كلنا القاضي سعد الدين مرزوق" و "الشعب سيتذكر أبطاله"، ومنزلة "البطل" هنا مرتبطة بحساسية المعركة التي يخوضها إذ تتصل بتحرير القضاء وفرض سيادة القانون، وبحجم المخاطرة التي تنجم عن اتخاذ الموقف، وهذا الاحتضان الشعبي يثير إعجاب حتى أولئك الذين لم يختاروا هذا الطريق، ولعله يدفعهم ولو بعد حين إلى العبور عبر أبواب مشرعة أمامهم بحكم مناصبهم التي تمنحهم فرصة صناعة التاريخ بالانحياز إلى القانون والضمير فقط.
مهما يكن القرار الذي سيصدر في حق سعد الدين مرزوق فإن هذا القاضي أنجز مهمته، وبر بيمينه، والمنزلة التي خصه بها الجزائريون لا تقدر بثمن ولا تعادلها وظيفة أو امتياز.. فهنيئا له صفة القاضي الشريف التي لن تسقطها عقوبة مهما قست.
شوهد المقال 138 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك