نوري دريس ـ حول السلطة و منطقها
بواسطة 2021-03-05 00:41:25

د.نوري دريس
تعتقد السلطة ان الحراك يقوم به سكان المدن ( الشبعانين), و ان سكان المناطق الريفية( الذين يشكلون ما تسميه السلطة سكان مناطق الظل) غير مهتمين بالسياسة, بقدر ما يهمهم تحسين معيشهم...ولذلك فهم وعاء انتخابي محتمل وفريسة سياسة سهلة لتعويض مشكلة الشرعية التي احدثها الحراك...
ويكفيها ان يذهب هؤلاء للانتخاب لكي ينتهي صداع الرأس المزمن الذي تسبب فيه الحراك..
هذا هو السبب وراء هذا التركيز في الإعلام على مناطق الظل, ومركزة برنامج الرئيس حولها, الاشارة الي أن عددهم 8 ملايين نسمة.
نسيت السلطة ان الحديث عن مناطق ظل بعد صرف 1000 مليار دولار, وبعد ستين سنة من الاستقلال هو عار وإدانة للسلطة الحالية التي تتشكل من عدة شخصيات شغلت مناصب سامية في النظام الذي تقول أنها تستمد شرعيتها من القضاء على مخلفاته..
القوافل التي تنظمها السلطة وتحضى بتغطية اعلامية واسعة, لا يمكن ابدا ان تكون كافية للتغطية علي البؤس الذي تعيش فيه كل الجزائر, والدعاية الاعلامية لن تستطيع يوما ان تأخذ مكان الحقيقة, ولم يسبق أن صدق الانسان ما تسمعه أذنه من أكاذيب في الاعلام وكذب ما يشعر به بطنه من جوع وجلده من برد وقلبه من قهر وحرمان...
'' إن منطق السلطة كان يدفع دائما نحو الهيمنة والسيطرة والاحتكار، وانتهت سلطات أميرية صغيرة لتصبح مملكة وإمارة ذات وزن سياسي كبير. هكذا هي السلطة السياسية، إذا لم تجد ما يكبح جماحها، فإنها تفترس كل ما يقف في طريقها، وطريقها نحو الهيمنة هو الذي أدى إلى انتظامها على شكل دولة (تسلطية).
ومع ذلك، لم تكن مرحلة الدولة التسلطية في أوروبا وقتا مهدورا، واستنزافا للطاقات، رغم الحروب الدائمة التي اشتعلت بسببها. خلال مراحل تشكلها وسيادتها، تحققت عدة إنجازات ساهمت في تجاوز منطق السلطة المطلق ذاته. إن سعيها للهيمنة كان سببا في فرضها للتجانس العرقي الذي أدى إلى ميلاد الدولة – الأمة بشكلها الحالي، كما أدى أيضا إلى مصادرة القداسة من الدين، ومصادرة السياسي من البنى الوشائجية. كانت الدولة التسلطية تلتهم كل شيء في سبيل بقاءها وإرساء هيمنتها، وكانت تلتهم السلطة تلو الأخرى لتضعها بين أيديها. لكن حينما تتجاوز السلطة الأطر الاجتماعية والثقافية التي تستمد منها شرعيتها، فإنها تحتاج إلى شرعية جديدة وإلا ستواجه تمردات ونزعات انفصالية. داخل الجماعة الاجتماعية الأولية، يمكن أن تكون الشرعيات التقليدية (الدينية، القبلية) مفيدة وفعالة، ولكن بمجرد أن تتجاوز حدود السلطة هذه الجماعة، فإن هذه الشرعية، المؤسسة أصلا على شيء من رابطة الدم وشيء من الشرعية الدينية، تبدأ جماعات أخرى تطالب إما بتغيير شرعية السلطة، أو برفض الخضوع لها. تحمل ديناميكية السلطة في داخلها بذور تجاوزها، فكلما توسعت جغرافيا للحصول على مزيد من الأراضي ومزيد من الموارد الطبيعية، بقدر ما ضعفت الشرعية التي ترتكز عليها، وهي بذلك تقع بين خيارين: فإما تغير شرعيتها، وإما تتراجع وتخضع للحركات الانفصالية المقاومة لها. الأنوار هي هذه الحركة الفكرية التي كانت تبحث عن شرعية سياسية جديدة لسلطة فاضت عن حدودها التقليدية، وعن رابط اجتماعي جديد يحلّ مكان الروابط الوشائجية التي أصبحت من الماضي في مجتمع – دولة يصبح أكثر فأكثر صناعيا وحضريا. إن الديناميكية الداخلية للدولة التسلطية هي التي أفرزت عناصر تجاوزها، ولكن هذا لم يكن ممكنا إلا لكون الأسس المادية التي تعيد إنتاج نفسها عليها آخذة في الانهيار لتحل محلّها أسس جديدة بدأت تكتسح أوروبا الغربية من إنجلترا وفرنسا في فترة مبكرة...''
شوهد المقال 195 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك