رضوان بوجمعة ـ 5 أكتوبر 1988 - 5 أكتوبر 2020 منظومة ميتة وقاتلة وهي رميم ...
بواسطة 2020-10-06 01:55:19

د. رضوان بوجمعة
الجزائر الجديدة 187
كيف يمكن أن تكتب عن مسيرة الشعب الجزائري في 32 سنة الماضية؟ أكيد أمر صعب ويحتاج إلى كثير من الوقت وفضاء أكبر من الفضاء الأزرق..
كيف يمكن أن تكتب عن شعب خرج شبابه في 88 بشعارات منددة بمنظومة الحزب الواحد والرأي الواحد، منظومة الإقصاء والعنف والكراهية والفساد والاستبداد.
أتذكر ذلك اليوم وأنا في السادسة عشر من العمر.. ابن حي شعبي بالعاصمة، يتابع الدراسة الثانوية بثانوية الأخوين الشهيدين حامية، أتذكر أستاذ التاريخ والجغرافيا، الأستاذ وهاب الذي كان يستغل فترة الدروس للتنفيس عن جو الأحادية المسيطر حتى في المقرر الدراسي، فقد كان يخصص جزء من الحصص بكل شجاعة للنقاش ويقول لنا إن هناك تزوير في المقرر، وأن مقرر تاريخ الحركة الوطنية لا يتحدث عن محمد بوضياف ولا عن أحمد بودة ولا عن حسين أيت أحمد ولا عن كل شخصية معارضة لمسار التسلط والتجبر.
إفشال الانتقال الديمقراطي وتكريس منظومة التعيين
أحداث أكتوبر 88 كانت إعلانا عن موت منظومة الحكم التي قتلت الشباب والمستقبل من أجل أن تحافظ على استمراريتها، لذلك حاول تيار داخل منظومة الحكم قاده حمروش وبن جديد لتنظيم هذا الانتقال الديمقراطي السلس، لكن هذا الانتقال تم إفشاله من خلال قيادات حزبية من تيارات مختلفة وظفها البوليس السياسي، من أجل إفشال الانتقال الاقتصادي، وتحويل احتكار الاقتصاد من القطاع العام إلى بعض الخواص من المرتبطين بالعسكر ومختلف الشبكات والزمر والعصب والعصبيات، وإفشال الانتقال السياسي باختصاره في الانتقال من الأحادية الحزبية إلى العددية الحزبية بنظام الكوطات لكل زمر وعصب النظام.
إفشال الانتقال الديمقراطي بدأ بحملة إعلامية منظمة شارك فيها الكثير من مدراء الصحف الذين لا زالوا إلى اليوم في مهامهم القذرة، حملة كان من بين ضحاياها وزراء حكومة الإصلاحات، حيث وصل الأمر إلى اتهام أحد من كانوا وراء الإصلاحات الاقتصادية غازي حيدوسي بأنه يهودي صهيوني في خدمة إسرائيل...
بعد أحدث جوان 91 والقتل والقمع واصل العسكر بقيادة نزار وتواتي والعماري وتوفيق مدين.. وغيرهم من القيادات، بتنظيم انقلابات في الأجهزة الحزبية تحضيرا لانتخابات 26 ديسمبر، التي تم الانقلاب عليها في جانفي 92، وبدأت الاعتقالات والاختطافات وحمام الدم الذي ستبقى آثاره المدمرة السنوات القادمة.
بوتفليقة ومساعدية يعودان على جثث القتلى...
عبد العزيز بوتفليقة الذي فرضه العسكر سنة 1999 بمشاركة توفيق مدين والعربي بلخير واليمين زروال وبمباركة وتصفيق أحزاب السلطة والأجهزة، جيء به لمحو آثار الجرائم باسم ما أسماه بالمصالحة- ولم تكن كذلك- ومن أجل تقريب الصورة حول عبد العزيز بوتفليقة الذي خرج بفضيحة فساد عندما كان يسير الخارجية، لم يكن باستطاعته حتى تنشيط تجمع صغير في قاعة سينما سنة 1990، حيث تدخل الشباب من جيل أكتوبر 88 ورموه بقطع نقدية مطالبين إياه بإرجاع الأموال..
لما عاد بوتفليقة سنة 1999، من بين الخطوات الأولى التي قام بها إرجاع صديقه محمد الشريف مساعدية، الذي كانت مظاهرات أكتوبر 88 تندد به وتصفه بسراق المالية، كما أسرع بالمصادقة على قرار العفو الشامل عن كل المجرمين، في تسعينيات القرن الماضي..
الحرس القديم الذي أسقطته مظاهرات أكتوبر 88، عاد بقوة منذ انقلاب جانفي 92، وعاد ما تبقى على جثث الضحايا في تسعينيات القرن الماضي مع عودة عبد العزيز بوتفليقة، الذي ما كان له أن يرأس الجزائر لولا العنف ومئات الآلاف من الضحايا، والكثير منهم من الجيل الذي صنع أكتوبر 88، في مجازر تشبه العقوبة الجماعية ضد الشباب الذي كسر نظام الحزب الواحد والذي كان بوتفليقة ومساعدية وزرهوني لا يترددون في الدفاع عنه.
منظومة ميتة/ قاتلة.. زورت التاريخ وتهدد الجغرافيا
منظومة الحكم التي ماتت في أكتوبر 88، غيرت الدستور ست مرات في 32 سنة الماضية، كما كانت في كل مرة تسحب بعض رجالاتها من الواجهة لامتصاص الغضب، وتعود بعد ذلك لرسكلتهم بعد كل غضب شعبي، واليوم تستعد بعبث كبير وباحتقار وإنكار لم يسبق لهما مثيل، وتحضر نفسها لفرض استفتاء أول نوفمبر، تاريخ وحد الجزائريين سنة 54، وهي تحاول أن تستغله استغلالا سياسويا بعد استغلالها للدين وتزويرها للتاريخ.
أكتوبر 2020، الشعب الجزائري أعطى فرصة أخرى و"إنذار آخر" لمنظومة الحكم بأنها ماتت وإكرام الميت دفنه، لأن فاتورة المحافظة على هذه المنظومة الميتة التي قتلت واختطفت واعتقلت مئات الآلاف، لا يمكنها أن تتحدى حركة التاريخ، لأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، كما أن هذه المنظومة الميتة/ القاتلة لا يمكن إحياؤها وهي رميم، لأن تكلفة هذا الإنكار والاحتقار جد مكلفة، لأن هذه المنظومة ماتت، وهي التي زورت التاريخ بالأمس و اليوم ، وأصبحت تهدد الجزائر في وحدتها الترابية وفي وجودها القانوني والجغرافي.
رحمة الله على ضحايا أكتوبر 88 وعلى كل ضحايا المنظومة الميتة و القاتلة دون استثناء، و الحرية لكل المعتقلين ...

شوهد المقال 438 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك