أحمد سعداوي ـ مقاومة الفاشية
بواسطة 2020-05-18 03:02:09

أحمد السعداوي
المقاومة من أجل الحياة والحرية، ذلك هو المعنى الأخلاقي الوحيد للمقاومة.
لا يمكن للفاشية أن تجتمع مع المقاومة.
والحرية لا تتجزّأ. إنها حريّة للجميع، أنت ومن يخالفك في الرؤية والتصوّر والاعتقاد ونمط العيش. لا معنى للحرية حين تكون؛ حريتك في ممارسة فاشيتك ضد الآخرين.
أن تقاوم الفاشية بنمط مغاير من الفاشية، هذه ليست مقاومة، وإنما صراع فاشيات.
يرى إمبرتو إيكو أن الفاشية الايطالية، مثلاً، كانت تنظر الى الفنّ على أنه دعاية. في الحقيقة كل الفاشيات السياسية والاجتماعية كان لديها موقف سلبي تجاه الفن، ما لم يكن دعائياً يخدم الخطاب الذي تصدّره الفاشية على أنه "حقيقة".
في الفنّ هناك طيف متنوّع من الأشياء التي ترفضها الفاشية في جوهرها. ومنها:
1) "المجانية": كل الحركات العقائدية والسياسية ذات النفس العنصري والديني الطائفي والسياسي الفاشي، ترفض أن يكون الفنّ مجانياً، يهدف الى المتعة الخالصة، وإنما عليه أن يكون معبّأً بالقيم والمبادئ ورسالة الثقافة الفاشية التي تصدّرها الجماعة، إن كانت هذه الجماعة في المجتمع أو السلطة.
2) "صوت الآخرين": لا تريد الفاشية أن تسمع غير صوتها، ولا تريد من الفنّ والأدب إلا أن يكون مرآة يعكس صورتها. إنها لا تعترف بوجود الآخرين، خارج صورتها الخاصة عن المجتمع.
3) "الأخلاقية": لا تعترف الفاشية بالأخلاقيات الانسانية، وإنما بالأخلاقيات التي تضعها هي لجماعتها، وترى كل ما سواها خارجاً عن الأخلاق. منحلاً ومنحرفاً وتخريبياً.
كما إنها لا تعترف بأن الجماعة الخاضعة لسلطتها تعيش في السرّ طيفاً متنوعاً من المنظورات الأخلاقية. ولا تريد مناقشة وجود هذا الاختلاف الأخلاقي.
4) "الحقيقة": لا تعترف الفاشية ب"البحث عن الحقيقة". فالحقيقة موجودة لدى الفاشية وانتهى الأمر. أما الباحث عن الحقيقة فهو مخرّب وعدو وجاسوس يريد تخريب الحقيقة.
تصدّر الفاشية نفسها على أنها حقيقة، ولا تريد الاعتراف بأنها تدافع عن صورة ضيّقة لما تراه هي أنه حقيقة.
5) "الانسانية": يستهدف الفنّ والأدب الانسان، يسعى لأنه يجعله أكثر انسانية وأقل عنصرية وإنغلاقاً، ينمّي لديه فضول المعرفة والتعرّف على الآخرين، وتمثل مواقعهم وكيف ينظرون هم الى الحياة. الفن والأدب يقدم نفسه وسيلة للإنسان كي يحسّن منظوره تجاه حياته.
بينما لا تستهدف الفاشية الإنسان وإنما الفكرة. الانسان هو مشروع تضحية من أجل الفكرة. حياة الانسان أصغر من فكرة الفاشية، أياً كانت هذه الفكرة قومية دينية مادية روحانية إلخ.
الحياة ضيّقة مع الفاشية، فهي تلك التي نسير فيها عبر نفق الفكرة الحقّة وليس غيرها، أما في الفن والأدب الحياة أكثر وعداً، ونداؤها أكثر سعة وثراءً مما يمكن أن يستوعبه الإنسان.
لا تجيب الفاشية على أيّ سؤال يتوجّه إليها من الحياة. حقّ السؤال هو للفاشية فقط، ولا تنتظر الفاشية جواباً. إن صيغة السؤال الفاشي بلاغية فحسب. حتى لو تمت الإجابة عليه آلاف المرّات، فهي تفترض عدم وجود الأجوبة لدى الآخر. الجواب متضمّن في السؤال الفاشي كصيغة بلاغية.
الأدب والفن الرفيع هو من الوسائل الفعّالة في عصرنا لمقاومة الفاشية. والمقاومة من أجل الحياة والحريّة، هي أكثر المهام الأخلاقية التي لدينا.
م/ ليس المقصود بالفاشية في هذا المقال هو الحركة التي ظهرت في إيطاليا في ثلاثينيات القرن الماضي، وإنما مجمل السياسات والتصوّرات التي تشترك فيها كل الحركات داخل السلطة وفي المجتمع، من استبداد وعنصرية وانغلاق.
اللوحة: الفنان صفاء السعدون.

شوهد المقال 444 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك