سعيد لوصيف ـ الممكن – المختلف يدحض توهّم الوضع المحتوم..

د. سعيد لوصيف
« Si quelqu'un s'évanouit, on réclame de l'eau, de l'eau de Cologne, de la liqueur d'Hoffmann ; mais quand un homme s'abandonne au désespoir, il convient de dire : donnez-lui une possibilité ; trouvez-en une, c'est la seule voie du salut. Est-elle donnée : le désespéré retrouve la respiration, reprend vie ; car sans possibilité, l'homme ne peut pas, pour ainsi dire, respirer » (Kierkegaard, La Maladie à la mort, 16, p. 196, cité par Deleuze).
إنّ تناول حالات اليأس و الأمل، و الممكن وغير الممكن و الحديث عنها في سياق حقائق اجتماعية سياسية إنّما يعبّر عن تعقيد الظواهر و نسبية الإنسان في فهم وتحليل منبهاتها الظاهرة والمستترة.
لقد رأى Delleuze و Guattari في حركة ماي 1968 "حدثا بحتا خالصا" (événement pur) ، و"انحرافا" عن تنظيم قانوني وسياسي وعلاقات محدّدة سلفا. و كانا يقصدان بالحدث الخالص، أنّه حدث يفلت من قبضة عطالة الزمن و يتجاوز النظام القائم، ليشكّل لاحقا منعطف تحوّل و انفتاح على الممكن و الأمل ؛ فالحدث الخالص هو حدث يتعدّى الزمن القائم ويستشرف الزمن القادم في سيرورة ترفض الهيمنة و تؤسّس لتصوّر أشكال تعايش وتنظيم مجتمعي وسياسي جديدين يفتحان للأفراد والجماعات آفاقا واعدة للإبداع.
و بالموازاة، فقد كان و لازال حراك 22 فيفري أملا واعدا يعبّر عن ثراء مجتمعي وسياسي أبقى عليه في الحجر طوال عقود من الزمن نظام فاشل، افتقد للخيال السياسي. و في هذا السياق، ينبغي التذكير أنّه لا يمكن أن نرى في حراك الجزائريات والجزائريين مجرّد تعبير عن سخط و يأس و شعور بعدم الارتياح ، بل، يتعيّن إدراكه على أنّه "تعبير خالص و نقي" عن سيرورة إمكانيات مفتوحة عن المستقبل وتصالح مع الهويّة والتاريخ والذات. فالزمن كما يؤكد عليه Nietzsche و Delleuze هو زمن السيرورة ، و بالأخص الزمن الاجتماعي والسياسي ؛ فالأوضاع والحالات لا يمكن لها أن تتكرّر أو أن تعود ، وإنّما إرادات التغيير هي التي تصنع الممكن و المستقبل باعتباره ميدان الممكن - المختلف الذي يبني عليه - إن عاجلا أم آجلا - مشروع المجتمع المفتوح.
إنّ الجزائريات والجزائريين لا يواجهون اليوم مشكلة سلطة ولا يحاولون الاستحواذ عليها بالقوة والعنف، و إنّما هم يواجهون معضلات ومسائل سياسية لم ينقطعوا منذ أكثر من سنة عن طرحها و التعبير عنها بسلمية وعقلانية في أغلب الفضاءات والمسيرات والتجمعات. الجزائريات والجزائريين هم اليوم في قلب رهان تحولات ومسائل تصورات مستقبلية لمجتمع وشكل دولة يتوافقون عليهما إراديا ، قبل أن يكونوا مجبرين أو يفرض عليهم مناقشة أوراق ودفاتر تقصيهم من إمكانيات إبداع مستقبلهم وإسقاطات الذوات الفردية والمجتمعية ككل المجتمعات الحرّة بوعي وإدراك لكل المخاطر والرهانات.
إنّ الواقع اليوم في الجزائر لا يعبّر في اعتقادي عن قلة الممكن سياسيا واستنفاذه بقدر ما يعبّر عن فشل السلطة في المقاربة و التشخيص، و تعنّتها في القفز على الحقائق و إدراك التغيّرات النفسية الاجتماعية التي حدثت لدى الكثير من شرائح المجتمع و أفراده. و عليه، فإنّ إغفال السلطة و ذهولها وتعنّتها عن الإنصات للممكن- المختلف الذي عبّر عنه الجزائريون و الجزائريات طوال مسيرة الحراك السلمي منذ أكثر من سنة، هو في حدّ ذاته إنكار للمستقبل و توهم مرضي نحو إعادة إنتاج تنظيم قديم/جديد جوهره لم يتغيّر و بقي حبيس التفرّد بالسلطة و الهيمنة وعرقلة إمكانيات التحوّل.
شوهد المقال 219 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك